تزوير بعقوبة في الدنيا والآخرة - للكاتب المحامي رسلان عيسى
حاجتهم للبحث العلمي كشفت الجريمة :
قال تعالى في كتابه الكريم :" للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيباً مفروضاً ", فالإرث من الحقوق التي سنها الإسلام للورثة وحدد نصيب كل وارث من تركة المتوفى وقد علمنا أن الكثير من طرق التزوير والاحتيال قد انتشرت بين الناس نتيجة عوامل عدة كالطمع والجشع والإثراء على حساب الآخرين , أما أن يصل الطمع و التزوير للتعدي على حدود الله بالإرث فهذا من الظواهر الفريدة.
وإذا أراد الله أمراً هيأ له من الأسباب كي يكون , فطالبين من كلية الطب أرادا الحصول على هيكل عظمي لرجل بالغ من أجل البحث العلمي وهذا الأسلوب معتمد لدى طلبة الطب وهدفهم ليس التعرض لحرمة الأموات خلافاً للقانون ولكن تكونت لديهم القناعة بان الغاية تبرر الوسيلة , فعزم الطالبان على المخاطرة واللجوء لمقبرة للبحث عن قبر قديم عسى أن يوفقان بهيكل عظمي, وفي الصباح اتجها إلى إحدى المقابر القريبة للبحث عن ضالتهما ,وأثناء تجوالهما للبحث عن قبر قديم شاهدهما حارس المقبرة الذي ساورته الشكوك حول غايتهما وفهم سبب تجوالهما كونه اعتاد على مثل هذه الزيارات من طلاب العلم , فأرشدهما إلى قبر حديث لم يمض على دفن صاحبه سوى ثلاثة أيام ويوجد تحت الجثة الحديثة هيكل عظمي قديم وقد شاهده أثناء الدفن , ولتسهيل المهمة فقد تم الاتفاق على القدوم ليلاً إلى المقبرة في غياب الحارس على أن يعيدا القبر كما كان بعد الحصول على الهيكل العظمي أو أجزائه كي لا يثيروا الشبهة لأن ذوي الميت حديث العهد لازالوا يترددون إلى المقبرة لزيارة متوفاهم .
أمضى الطالبان وقتهما من ذلك اليوم في انتظار حلول الموعد بتوتر عصبي يعصف بهما فالأمر ليس من السهولة بمكان ,حل منتصف الليل وحملا المعول والمجرفة وتوجها لقضاء ما نويا العزم عليه مع رهبة الخوف التي صاحبتهما طوال النهار إلا أنهما بالوصول إلى القبر أصبح خوفهما حقيقة , فما شاهداه أزهلهما فالقبر مفتوح والجثة خارج القبر وأول ما تبادر لذهنهما أن الحارس أخرج الجثة ليساومهم على ثمن الهيكل العظمي , وما أن اقتربا أكثر وعلى ضوء المصباح اليدوي حتى شاهدا الهيكل العظمي في مكانه فأصيبا بالحيرة أكثر ولكن لا مجال للتساؤلات إذ عليهما إنهاء المهمة بسرعة.
في الأبنية المجاورة للمقبرة استيقظت الحاجة( س) بعد أن أصابها الأرق وذهبت للوضوء لتصلي قيام الليل , وما أن أطلت من داخل نافذة المنزل باتجاه المقبرة حتى صرخت بأعلى صوتها فقد شاهدت جثة مستندة إلى شاهدة القبر والضوء ينبعث من داخل القبر , استيقظ كل من في المنزل على صراخها وشاهدوا ما شاهدته ,انبرى أحد أولادها فوراً لإبلاغ رجال الشرطة حيث توجهت إحدى الدوريات إلى المقبرة وألقي القبض على الطالبين .
انتشر حديث الميت الذي خرج من قبره في المجتمع وكل يروي القصة حسب مخيلته, من تمزيق الميت للكفن ورؤية الشرطة له وهو يركض والشرطة تريد إعادته للقبر وما إلى ذلك,لكن الطالبان اعترفا من جرم سرقة الأكفان وهو الأخف وطأة وعقوبة من التعرض لحرمة الأموات أو سرقتهم والدخول في جرم الاتجار بأعضاء البشر .
كان لابد للمتهمين من توكيل محام للدفاع عنهما ,وكان عليه البحث عن حقيقة وجود الجثة على حافة القبر, انطلق المحامي في بحثه عن الحقيقة بدءاً من حارس المقبرة والذي أخبره أن ذوو الميت قد جاؤوا لزيارة القبر في اليوم المذكور ,وبسؤاله عن منزل المتوفى تبين أن له بيتين وزوجتين وأولاداً من كل منهما ,فقرر زيارة منزل الزوجة الأولى وأولادها وقد فعل إلا أنه وجد أن زيارته غير مرحب بها ,فانتقل لزيارة منزل الزوجة الثانية وهناك لقي كل الترحيب وتقبلوا تعازيه الحارة وتبين من خلال وابل الأسئلة التي تم طرحها عليه أن الأسرتين على خلاف حاد وأن أشقائهم من أبيهم سارعوا لدفن الجثة قبل انتهاء التحقيقات في كيفية خروج الجثة من القبر وكان من ضمن الأسئلة هل يستطيع والدهم حرمانهم من الإرث,تنبه المحامي على عجل لهذا السؤال وأجابهم بنعم فيما لو حرر على نفسه أسنادا قبل وفاته .
من السؤال الذي وجهً إلى المحامي تم رسم خطوط القضية , فقرر مراجعة النائب العام لشرح المعلومات التي حصل عليها لجهة الخلافات بين الأسرتين وطلب الموافقة على فتح القبر والكشف على الجثة مجدداً ,وبعد الموافقة توجه النائب العام برفقة هيئة الكشف وما أن صارت الجثة بين أيديهم حتى تنبهوا لوجود مادة الحبر على بصمة الإبهام الأيسر ,حيث جاء أولاد الميت من زوجته الأولى وفتحوا القبر وأخرجوا الجثة وقاموا بمهر أوراق بيضاء ببصمة والدهم ليتمكنوا من حرمان أشقائهم من الزوجة الثانية من الميراث ,إلا أن قدوم الطالبين للحصول على الهيكل العظمي فاجئهم فتركوا جثة والدهم ولاذوا بالفرار ,ولولا قضاء الله في هذا الأمر وإلهام الطالبين للحصول على الهيكل العظمي لحرمت الزوجة الثانية وأولادها من الميراث عن طريق البصمات المزورة التي تم مهرها على الأوراق , ولكن قدرة الله أكبر من أن يخترق شرعه بالميراث , وألقي القبض على الفاعلين ليقول القضاء كلمته في هذا الأمر, ولكم كلامكم.
مقال مميز ومهم جدا شكرا للمحامي رسلان عيسى وننتظر منك المزيد