آخر النصائح (قصة قصيرة) للكاتب سمير عبد الرازق

آخر النصائح

كانت لها جدة هي كل ما تملك من الحياة بعدما مات أبويها في أيام متلاحقة كانت لها عيون ترى ما لا تراة عينيها علمتها الحكمة والصبر على الأيام عاشت في كنفها معززة مكرمة لا ينقصها سوى أيام مضت في كنف أبيها المحب وأمها الحنونة العاشقة لطفولة فلذة كبدها إن بكت وجدت يد حانية حلت محل أبوة و أمومة ضاعت في أيام ولت وإن ضحكت وجدت قلب يبهجة فرحها صارت بها الأيام تشرب من أخلاق جدتها واحدا تلو الآخر عاشت على قدر عمرها حكيمة كجدتها ذات شخصية محتشمة أحبت الحياة فأحبتها الحياة أتقنت وقتها فكانت تلميذة نجيبة ابنة مطيعة وأنهت جامعتها وصارت شابة دق بابها الكثير من الخطاب لم يرق قلبها لأحدهم حتى جاء يوم رأت فيه شابا له من الوجاهة ما له ومن حلاوة اللسان ما له رأت إعجاب زميلاتها له فاق كل حد صارت مثلهم تهيم به عشقا رغم اختلافهما في كل شئ هي حكمة وهو طيش هي سكينة وهو قلق وتقدم لها وما إن رأته جدتها حتى رفضت لها من ليس في خلقها أو مضمون شخصيتها لكنه الهوى يريد من الأسد الخضوع فتخضع تعلقت اليتيمة به تعلق الطفل بأبوية وهو يعلم أنه مفارقهما فضغطت بمشاعرها على مشاعر جدتها التي حذرتها أن التكافؤ ليس فقط في مال أو حسب أو نسب إنما التكافؤ في الخلق تزوجت وعاشت أجمل لحظات عمرها زوجة مصونة أعطته عمرها وأحلى أيامها فأعطاها ظهره وأمر أيامه أخذ ما كان يبغى ولم ينظر لجمال الخلق ولا روعة السجية نظر لكل ما هو دونها انكسر قلبها كل لحظة أعطته الأمان فأعطاها الخوف وصانته ولم يصنها احتفظت اليتيمة بهمها بعيدا عن جدتها وصمدت علها تحفظ آخر أسوار مدينتها من غزاة ليس لهم قلب لم تقصر يوما معه أو تتجهم في وجهه لم تشعرة أنها على حافةوادى الخوف وهاوية اليأس يضحك لها وهو يضحك عليها من كثرة سماحتها تمادى وكسر كل ركن من أركان مدينتها زاد يأسها وبؤسها حتى ضاقت بفعله وحياتها قررت الهروب من جحيمة إلى جحيم وحدتها الإنفصال ولم تجرؤ على الحديث الى جدتها ولكن هول ما رأت أجبرها على الذهاب لزيارتها فى نهار لم يكن نورة ككل نور لكل صباح ماتت من كان آخر حائط صد لها وجلست أيام عوائها وحدها كعمرها الذى مضى هاجمتها الهواجس لما لا احيا مثلة بلا فضيلة عاشت فى بيت جدتها المهجور من أنفاس أغلى سكانة رتبت حجراتها بكتبها كأنها ما زالت تحيا فى كنفها فوقعت إحى اوراق كتاب جدتها من بين ثنايا أحد الكتب وكأنها نصيحة جدتها الأخيرة " كونى نفسك لا غيرك حتى وإن خان رفيقك سيأتى يوم تنعمين بوفائك له ويشقى بندمة على خيانتك "