أيام القهر وسنوات الحرمان - للكاتب عادل فكــــار
كنا بطفولتنا العادية وحبنا المصقول برتوش الغيرة ولحظات تمسكنا بالهدف نسعد بأمسيات تعبه بعد عناء نهار شاق باللعب والمرح .كنا نستقبل الصباحات بشغف وجرأة وكان الحب والأمل يدب بأطراف أثوابنا ونحن نتسابق ونغني ونركض ونتعارك وقد كنا موقنين دوما أننا نمكث بأحضان السعادة.
ومنذ أدركنا أن صفعات القلق تعرف طريقها جيدا الي نفوسنا وقد أفرزنا غلافا هلاميا قادرا علي احتوائنا وحمايتنا منه وقد استطعنا أن نتمدد خلاله دون أن نشعر بالاختناق والضيق. وكان علي قدر انغماسنا الواهي في انهر الحلم وطواحين الطموح علي قدر ثقتنا الغالية بتأرجحنا المستمر ما بين الواقع والحلم والقدر. لم نكن في كل سنوات الضياع اللطيف لدينا هذا الاحتياج الهائج الي منطقه أمنه يخلع فيها كل منا أثواب القهر والارتجاف مثلما يحدث الآن.
فعندما هم ذلك المجهول يخدش أرواحنا الحرة وسط عواصف المفروض وقرارات الممنوع وقوانين ما يجب. بدأ أول عهد لنا بالخوف بالهم الصبي الذي يبدو منذ نعومه أظفاره قويا وقاسيا لا يعرف العدل. يرسم أقواسا ومناشيرا وألواحا لذلك القلق الذي سيبدو لنا فيما بعد اعتيادنا المر علي اصطحابه.كان يمحو ابتسامتنا البكر علي شفاهنا يجبرنا أن نغلق مسام جلدنا نحبس أنفاسنا في إعياء وصمود.
اذكر ذلك المساء عندما ارتقت أمنياتي بمطالب شرعيه حلمت بالوصول إليها ساد الصمت أجواء المكان ولم يرتق الي مسامعي سوي صوت أنفاسي المنقطعة المحشورة ما بين رغبتي في إصراري علي ما أريد وحجم القوة الجاثمة علي قلبي بما يريدوه من ملك زمام الأمر حتي النخاع. شعرت أنني موجه لقيطة تسير خلف أسراب أمواج عاتية وكتائب تيارات شرسة عرفت الدنيا وأوجاعها من قبل أن أوجد أنا علي كف الحياة.
أغمضت عيناي تخيلت ذلك الشاطئ البعيد بقواقعه الناعسة وعرائسه الجميلة وهدوئه المطمئن وقد انسحبت الي داخلي وفررت الي عالم آخر لم يقو أحد ما علي نزعي منه أو حرماني من التورد إليه كلما أردت. وفي كل صباح أتجول حائرا أتنفس عطور عفنه وأصادف أمجاد تنسب لغير ذي حق. أتعثر بأجساد همدت منذ زمن من كثرة التكرار والملل والسخط عما كان وما هو كائن بالفعل. والتقي بعيون زجاجية لا تخفي من اليأس شيئا ولا من الألم شيئا ولا من القهر أولى أبجدياته.
هياكل فارغة لم يعد يملؤها سوي الطعام المسموم والمهموم والفاقدة كل عناصر بقائه يستخدم لآدمي تعس.
هياكل شدت بإتقان لتصنع في الظلام خيالات مخيفة ترعبنا نحن من صنعناها. أبراج وسيارات وحسابات وبنوك ونهم وجوع وارتجال يسود حياتنا اللاهثة وقلوبنا الجافة. وفي كل صباح ومساء نسطر بنفوسنا الكسيحة عبارات الشلل المستعمر أرواحنا والقابع بجوارحنا رغم تحركنا الآلي والسريع والدائم بهذه الدنيا . نستسلم لنعرة الظلم القاسية ولأوجاعنا الممزوجة بوهن الحلم وانتهاء الأمل وضعف كل ما قد يبقينا أحياء
منشورات مجلة Unknown
بتاريخ السبت, سبتمبر 03, 2011.
أنظر قسم
أبجدية صبا,
مقالات
.
نرحب بآرائكم وملاحظاتكم ومساهماتكم راسلنا