البرستيج - بقلم أبو مازن كعوش
كثيراً ما نسمع فلاناً أو علاناً يقول "برستيجي لا يسمح لي أن أفعل هذا الأمر أو ذاك" وفلانة أو علانة تقول "برستيجي لا يسمح لي أن أفعل هذا الأمر أو ذاك"...فما هو المراد بهذه المفردة والمقصود من وراء تكرار استعمالها في جميع المجتمعات بما فيها مجتمعاتنا طبعا!!؟
كلمة برستيج هي كلمة أجنبية تعني "هيئة أوشكل أو وضع" وقد أصبحت متداولة حتى في اللهجات المحلية والعامية، وهي تعني "الوضع أوالإطار الاجتماعي" الذي يضع مستخدمها نفسه فيه، وما يتعلق به من أمور تناسب المكانة أو الوضع الإجتماعي الذي يحدده لنفسه أمام الآخرين. فالبرستيج مظهر إجتماعي وسلوكيات حضارية تفترضها الظروف الإجتماعية الخاصة، لكننا وللأسف جعلنا منه ضرورة من ضروريات الحياة الملحة التي لا يُستغنى عنها في كل صغيرة وكبيرة تمس علاقاتنا الإنسانية.وأعتقد بل أجزم أن هذه الظاهرة هي إحدى إفرازات صرعات العولمة المتلاحقة و المتجددة دوما التي أخلت بقدراتنا في الإستيعاب أو عسر الهضم العقلي لهذا الكوكتيل الفكري الذي لم نعتده كوجبات سريعة على موائد الإنترنت والقنوات الفضائية حتى تحولت حياتنا التي كانت إلى عهد قريب بسيطة وشفافة إلى مسخ في صورها وهيأتها الإنسانية وتزلزل كيانها كما لو كان بها مس أو طائف من زلزالٍ تسونامي اجتماعي. مع إيماني بضرورة البرستيج في حياتنا كسلوك معتدل ومظهرخال من التكلف إلا أنني أرفض التكلف والمبالغة في مفهومنا للبرستيج الذي تجاوز المنطق حتى صار الشكل بدون مضمون. فالتلميع مؤقت وحتى المحافظ تراها متورمة بفواتير البلاء التي يحسبها الجاهل ورق بنكنوت وهي حشو من ورق التوت يستر مابقي من عورات المحافظ والجيوب البئيسه.انظروا بالله عليكم ماذا فعلنا بأنفسنا من خلال مفاهيمنا للبرستيج وكيف حولنا حياتنا كلها إلى جحيم
من البرستيج حتى صنعنا بأنفسنا من هذا البرستيج وحشا وآفة اجتماعية تستنزف مواردنا ومدخراتنا المالية وتخل باستقرارنا النفسي والعقلي وحتى العاطفي وتبتلع طمأنيتنا بقدر ما نبتلع بسببها من عقاقير السكر والضغط والكلسترول وربما العقاقير والمسكنات العقلية حتى أوصلنا بملكنا وإرادتنا هذه الآفة إلى ما وصلت إليه نخرا ودمارا في أسس الحياة الأسرية وتقويض بنيانها في قطاع عريض من مجتمعنا.والشيء المبكي حقا أن يكون تهدم .وتفرق هذه الأسر بسبب البرستيج كثوب ومظهر وممارسه حتى الطلاق أخضعناه لطقوس البرستيج على الموظه. البرستيج يبدأ من السيارة الفارهة والبرستيج في مناسبات الأفراح التي لانهاية لها ومايلزمها للمدمرة المصون والقطع الحربية المرافقة لها. فالفساتين إن لم تكن فلكية الأثمان فهي على الأقل موجعة في الأضلاع ومبددة لمدخرات الأسرة مرورا بالحقيبة والكعب البرستيجاوي ناهيك عن برستيج الكوافير لصرعة شعرمريع ربما يتطلب غلالات رقيقة من فوقه كحجاب للمحافظة على هيبته كبرستيج وسط المتباريات به وله. وقمة مآسينا من العدو البرستيج حينما يكون على هيئة شخبطة في السبورة بكل أطياف الألوان ليرسم لوحات تكعيبية وسريالية على قارعات بعض الوجوه التي ربما بدل جمالها قبحا. والبرستيج لازمة حتى لجداتنا اللائي لايعدمن حيلة فلدى كل غالية منهن بروتوكولاتها الشخصية الخاصة جدا بل البالغة الخصوصية مثل الحرص على معدن وشكل العصا التي تتوكأ عليها وبرواز النظارة الذي يجب أن يكون ذا سلسلة ذهبية وبرواز مرصع بالذهب والأحجار الكريمه واللئيمة أيضا وصولا إلى
طقم الأسنان. البرستيج وصل إلى ألوان وأشكال عدسات العيون فمن عيون القطط إلى عيون البقر وألوانها الصارخة كأنما هي في عراك هستيري من الأخضر والأزرق على سحنة قمحية أو سمراء وربما عدسات حمراء وصفراء لا أدري ولكن كل ذلك سيئه من جيوب التعساء الذين يطيعون وليات الأمر منهن. وللسفر للخارج برستيج مزيف لدى بعض المهووسين به من متوسطي الدخل حتى لو تطلب الأمرتذكرة مرور لباريس أو لندن أو جنيف لمدة يوم أو يومين على الأكثر مع الصور جوار المعالم الشهيرة وشهر وشهرين في سوريا حي المهاجرين أو مصر أمبابه والمشاوير كعابي والوجبات حشو من الكشري والفول وإهانة البطن والمرقد كل ذلك لعيون البرستيج، وبعد العودة تعالوا شوفوا التذاكر كوثائق إثبات والصور والإجازة كلها في غالية المعيشة أوروبا زعما وتحديدا في عيونها كل ذلك لزوم البرستيج. وعلى ما يبدو فإنه لم يبق إلا الموت، فهل يا ترى سيجعلون له برستيجاً خاصاً تحكمه طقوس خاصة ضرورية وملجة جداً جداً !!؟؟
أبو مازن كعوش