«نجمة » فتاة صغيرة تفوز بجائزة الحياة - بقلم ايدا المولي
كان ينام خارجاً مثل كلب الحراسة الليلي يسمع سعالها الجاف فيفتح عيناه ويهرع راكضاً يناولها كأسا من الماء، فربما سقط في بلعومها شيء ما من أسنانها فهي لا تنظفها قبل النوم.
لكنها بقيت تسعل وفي اليوم الثاني والثالث بدأت علامات الرشح تظهر: احتقان وسيلان وسعال وارتفاع بالحرارة، وهو يداويها تارة بالمضادات الحيوية وأخرى بالزهورات.
مضى أسبوع -أسبوعان لقد اختفت علامات الرشح لكنها مازالت تعاني من سعال شديد وحاد.
لقد بقي هو وهي فقط ابنته الوحيدة التي أفنى عمره من أجلها ماتت الزوجة كيف ماتت!! تساءل: فاتحاً فاهه مندهشاً!! لايمكن أن تكون كذلك لايمكن أن ترث عن أمها ذاك المرض أبعد عن ذهنه /إطلاقا/ هذه الفكرة لكن ذاكرته ورغما عنه أعادت له صورة هزالها ولونها الأصفر وسعالها الذي بدا مدمَّا في الفترة الأخيرة.
عاد إليه صوتها وهي تقول: لا أريد أن أذهب إلى طبيب لأنه سيضع في جسدي مئة علة وعلة غداً سأشفى وسأكون قادرة على أن أعلم ابنتي لأراها نجمة في المستقبل.
لكنها لم تر «نجمة» تكبر أمام عينيها وفي أواخر أيامها أحضر لها طبيباً لكن الطبيب بعد فحص طبي دقيق قطع الأمل من شفائها بعد محاولات باءت بالفشل.
ومع ذلك.. الطبيب لم يرده خائباً واستقبله في بيته وفحص نجمة المريضة وشك بوجود مرض في صدرها.
وعلى قصاصة ورق طلب عدداً من التحاليل بالسرعة القصوى.
الطبيب سامر موسى اختصاص الأمراض الصدرية والذي شخص المرض وأكد وجود جرثومة السل على رئتي نجمة الصغيرتين.
ألقى العتب على والد الطفلة لأنه يعرف أن الرشح لا يدوم أكثر من أسبوع وتزول أعراضه بعد ذلك والسعال دليل كبير على وجود خلل خاصة إذا كان دائماً جافاً إضافة إلى ذلك فإنه رفض تصديق الأعراض التي تمر بها نجمة خوفاً من أن يفقدها كوالدتها.
أرسلت نجمة إلى المركز الصحي في إحدى مناطق محافظة حماة وبدأت بتلقي العلاج حتى إن العناصر الطبية في المركز لا يتركونها تتلقى العلاج وكفى بل يتابعونها في مرحلة لاحقة لمتابعة وإجراء التحاليل حتى يتمكنوا من القضاء على جرثومة خطيرة معدية تخيف الجميع وطلب الطبيب المعالج من الأب اللاهث وراء شفاء ابنته أن يقوم بإجراء التحاليل خوفاً من انتقال المرض له .
المجتمع قاض ظالم
يقول الدكتور سامر موسى: مرض السل وباء عالمي وفي كل يوم يموت خمسة آلاف شخص وقد أصبحت مكافحته أكثر صعوبة بسبب ظهور عدد من أشكاله المستجدة المقاومة للأدوية وفي كل عام يموت مليونا نسمة مجانا بمعنى كان يمكن ألا يكون السل سبباً في وفاتهم لو كان التشخيص والعلاج مبكرين.
والعالم كله يتحد من أجل دحر السل حيث قامت العام الماضي مسيرة شبابية جالت أقاليم أفغانستان وحتى المدن التاريخية في المغرب من أجل نشر الوعي تجاه هذا المرض وهذا العام رفع العالم شعار «الابتكار» وهو يعني ابتكار الوسائل القادرة على محاربة السل أينما كان.
ويضيف الدكتور سامر: أن سورية تمكنت من رفع نسبة الكشف عن المرض وتقديم العلاج حيث بلغ معدل الشفاء في عام 2008 /87،37٪/ وعدد المصابين 4138 مصاباً في عام 2009 أي بمعدل كشف يصل إلى 70٪.
وأكد الدكتور موسى: أن السل مازال يوصم بالعار ولابد ممن يصاب به أن يعزل نفسه بنفسه في غرفة حتى لا يعدي أحداً دون أن يتلقى العلاج ويموت بعلته لوحده وهكذا يكون المجتمع قاضيا ظالما وهذا من أخطر الأمراض التي ترافق مرض السل والمجتمع الذي يخجل من ابن مريض أو ابنة مريضة محكوم عليه بالموت حتماً لأن زهرته ستذبل وضياءه سيزداد صفرة وشبابه سيشيخ باكرا لذا ينصح الدكتور موسى بل يرجو ممن تظهر عليه أعراض المرض وأولها السعال المزمن أن يراجع طبيباً مختصاً.
وسيتلقى علاجه مجاناً في كافة المراكز الصحية المنتشرة في سورية ويلفت الدكتور موسى إلى أن ثلث الاصابات في محافظة حلب وريفها بسبب وجود بيئات اجتماعية تخشى من وصمتها بعار يلحق العائلة إضافة إلى سوء التغذية وشروط سكن غير صحية.
ويبين أن منظمة الصحة العالمية وصندوق الأمم المتحدة يقدمان دعماً متواصلاً لدعم برنامج مكافحة السل في سورية.
وفي الختام
هل نهرب أو نخفف من وطأة اسم /السل/ على المريض ونستبدله بالتدرن الرئوي أم نواجهه ونحاربه كما هو بتسميته الخبيثة اللئيمة، إنه يخرج من المعركة سعيداً لأنه حصد شخصاً آخر ودفنه في عصية لا تكاد تتجاوز مقياس الميلمتر أو ربما أصغر بقليل إنه -السل- مرض الذوبان كما هي تسميته اللاتينية يذيب المريض كالأسيد لكنه لا يمحيه عن الوجود بثوان بل يعذبه ويميته موتاً بطيئاً فلماذا نعطيه كل هذه الفرص ولماذا ندفع له بهؤلاء البشر واحداً تلو الآخر كأننا ندفعه إلى محرقة فلا يبقى منه إلا الرماد.
فلنهزم السل بالوعي والتشخيص المبكر، والفقر ليس مبرراً لعدم العلاج فالعلاج مجاني ومتوفر، ونجمة بطلة قصتنا لم تمت وحاربت السل رغم صغر سنها وسيراها والدها نجمة في المستقبل القريب كما ستمشي هذه الصغيرة بين كل من خاف من مرضها مضيئة كنجمة تضيء من حولها علماً وحياةً.
أيدا المولي