يحمل شهادة دكتوراه في محاربة الشيطان
كان رجال الشرطة في حيرة من أمرهم، لأنها المرة الأولى التي يمارس فيها دجال عمله في النور، أسس لنفسه موقعاً على شبكة الإنترنت، ووضع فيه صورته وسيرته التي تتضمن الكثير من المبالغات. خلال سنوات ربح الشيخ أسامة أو «محارب الشيطان»، كما يطلق على نفسه، ألاف الجنيهات وأصبح الزبون يحتاج إلى وساطة حتى يجد لنفسه موعداً مبكراً في عيادة الشيخ أسامة الذي يعالج جميع أمراض الشيطان «المس»، «اللبس»، و«الصداع النصفي». أما المفاجأة فهي تأكيد هذا الرجل أنه يحمل الدكتوراه. حكاية القبض على الساحر المثقف مثيرة، والبداية كانت صدفة.
ربما كانت المرة الأولى التي يتردد فيها مدير مباحث القاهرة قبل أن يمنح رجاله الإذن بالقبض على دجال، فلم يكن الشيخ أسامة ساحراً، أو دجالاً عادياً، لكنه كان يتمتع بجرأة يحسده عليها الجميع، كان يعمل أمام الجميع على عكس كل السحرة الذين يتسترون وراء أشياء كثيرة حتى لا يُفتضح أمرهم.
الشيخ أسامة لم يكن مثلهم، أسس لنفسه موقعاً على شبكة الإنترنت، ونشر إعلانات في الصحف تحمل صوره، وتصوّر قدراته الخارقة في مواجهة الشيطان، كل هذه الأشياء كانت كفيلة بأن تجعل رجال المباحث يدرسون الأمر أكثر من مرة قبل أن يتخذوا قراراً حاسماً بالقبض على الشيخ أسامة. والبداية كانت عندما كان أحد ضباط مباحث الآداب يتصفح الإنترنت، فلفت نظره أحد المواقع الذي يحمل عنوان «محارب الشيطان». هذا الاسم جعل الضابط يتجه فوراً إلى هذا الموقع، ويمضي وقتاً طويلاً في درس كل ما هو موجود في هذا الموقع. اندهش ضابط الآداب من فرط جرأة الساحر الشيخ أسامة، فهي المرة الأولى التي يعمل فيها دجال أمام الناس، رغم أن القانون يُجرّم كل ما يقوم به من فك أسحار، وعلاج للمس من دون ترخيص، ومهارات أخرى نسبها لنفسه، مثل قدرته على فك المربوط، وإعادة الحب المفقود إلى عش الزوجية.
ماجستير ودكتوراه
راح ضابط المباحث يدوّن ملاحظاته، عنوان الشيخ أسامة، أسلوبه في العمل، وكذلك مؤهلاته التي سطرها في موقعه، حيث أكد أنه يحمل الماجستير في العلاج الروحاني، ودكتوراه في مواجهة الشيطان. حينما عرض ضابط المباحث هذه المعلومات على رؤسائه تأكد من أن الساحر تجاوز الحدود، حينما نشر لنفسه بعض الإعلانات في الصحف والمجلات، وبجرأة يُحسد عليها دوّن عنوانه وتفاصيل أسلوبه في العمل.
بدأت أجهزة الأمن مراقبة الدكتور المثقف الذي كان يتردد على شقته الكبار، وعشرات النساء، وبعض الأثرياء الذين كانوا يلفتون الأنظار بسياراتهم الفارهة أمام شقته في حي البساتين الشعبي، وقرر ضابط المباحث دس مصدر سري حتى يوقع بالدجال ليتم القبض عليه متلبساً.
بعد أيام وضع المصدر السري تفاصيل تحرياته أمام مدير المباحث، وأكد فيها أن الساحر شديد الذكاء، لبق، يستقطب الآلاف كل شهر، ويربح الكثير، زبائنه من كل طبقات المجتمع، وتخصص الشيخ أسامة في مواجهة ما سماه «أمراض الشيطان».
كان يؤكد لزبائنه أن الشيطان يتسبّب بأمراض الصداع النصفي، والمس واللبس، والكراهية بين الأزواج والربط. وذاع صيت الساحر في القاهرة، وكان يأتي إليه زبائن من كل الدول العربية، وكل محافظات مصر. وخصص سكرتيراً يتحدث بالإنكليزية لتحديد المواعيد لكل زبون. وبيّنت التحريات أن الشيخ أسامة يستقبل في منزله 60 زبوناً يومياً، لا يتقاضى منهم أي أموال، لكنه كان يدوّن لهم وصفات ألزمهم بشرائها من محل العطارة الذي يمتلكه ويقع أسفل منزله. وكان يبيع السلع بأضعاف ثمنها، علماً ان الوصفة تحتوي على مراهم مجهولة، وأعشاب، وبعض العطارة.
كان يؤكد لزبائنه أن هذه الأشياء لا تتوافر إلا عنده. وهكذا ربح ألوف الجنيهات من حصيلة بيع العطارة «المغشوشة». وبدأ المصدر السري يروي لضابط المباحث حكايات الضحايا، منهم سيدة تشكو من سوء معاملة زوجها، ورغبته في الزواج عليها بسيدة أخرى. وحكاية أخرى بطلها شاب كان يعاني ضعفا جنسيا، ويعتقد أنه مربوط. وسيدة أخرى تريد أن يطلّق زوجها زوجته الثانية حتى يعود إليها.
حكايات أخرى لشباب يعانون صداعاً نصفياً، وبدأ معهم الساحر أسامة رحلة علاج روحاني بأسطوانات الكمبيوتر التي تحتوي على أدعية وتواشيح وبعض الطلاسم غير المفهومة. والغريب أن هؤلاء الشباب أكدوا في الجلسات التالية أنهم شعروا بتحسن بعد بداية علاج الشيخ أسامة. حدد رجال المباحث ساعة الصفر، وقرروا دهم وكر الساحر أثناء وجود الزبائن. وكان منتصف الليل الموعد الذي حدده مدير مباحث الآداب لدخول منزل الساحر الذي كان يستقبل بعض الزبائن. كانت مفاجأة للجميع بمن فيهم الساحرعندما اقتحمت الشرطة وكره، وصادرت جميع الأدوات التي يعمل بها: جهاز الكمبيوتر، الأسطوانات والبخور والكتب الصفراء وأحيل الموقوف على النيابة.
ضحايا بإرادتهم
ألقت الشرطة أيضاً القبض على مساعدَيه سيد ومحمد، وتم التحفظ على 1300 جنيه، كانت حصيلة بضع ساعات في شقة الدجال الذي كان يؤكد دائماً أنه ليس ساحراً، ولم يُجبر أحداً على الحضور إليه.
طلب الشيخ أسامة الاستشهاد بزبائنه، وأكد أنه لم يخدع أحداً لكنهم جاؤوا إليه بإرادتهم. وتم التحفظ على أربعة زبائن، أكدوا أنهم تأثروا بذيوع صيت الشيخ أسامة الذي عرفوا حكايته من موقعه على شبكة الإنترنت، وحجزوا موعداً والتقوه، وعرضوا عليه مشكلة سيدة تعاني حالات صرع مستمر، وأخبرها الشيخ أسامة بأنها مصابة بمس شيطاني وتحتاج الى جلسات روحانية عدة.
وأخبرها أيضاً أنها في حاجة إلى بعض البخور والأعشاب الباهظة الثمن لمداوتها، ونفذت السيدة تعليمات الساحر، لكن الشرطة لم تمهلها الفرصة لاستكمال علاجها، والقت القبض على الشيخ أسامة. والمفاجأة أن أسرة تلك السيدة طلبت من النيابة إخلاء سبيل الشيخ أسامة لأنه لم يؤذِ أحداً.
تكنولوجيا
يقول الساحر: «لا أمارس السحر، وأحب أن اسمي عملي «العلاج الروحاني»، وأحب لقب «محارب الشيطان». ولم أتصور أن ما أفعله يُمثل جريمة يعاقب عليها القانون. أمتلك موقعاً على شبكة الإنترنت وأعمل في النور أمام الجميع، وأتلقّى عشرات الرسائل يومياً ويزور موقعي الآلاف». يُكمل: لم أؤذِ أحداً، ولم أُجبر أي شخص على المجيء إلى منزلي، والجميع يعلمون أنني لا اتقاضى أموالاً، واستخدم التكنولوجيا في عملي، الإنترنت، الكمبيوتر، ولا أخالف الشريعة، وأتحدّى أي شخص يدعي أنني خدعته أو نصبت عليه. أنا في النهاية «معالج روحاني»، لست ساحراً، ولا دجالاً وأفيد الناس». أمرت النيابة بإغلاق مقرّ الساحر ومصادرة جميع الأدوات المضبوطة، ووجهت إليه تهمة الدجل وممارسة الطب دون ترخيص، وبيع مراهم وأعشاب مجهولة المصدر.
اسامة كمال - القاهرة