الشعر العربي والعفة في الحب - للكاتب حبيب العكيلي
الشعر العربي والعفة في الحب
لو أردنا الحـديث عن الشـعر العربي وعن الغزل فترات الإبداع نجد انه يوحي بالسـمو الروحي وان الدافع المباشـر من وراء قصائد الحب والغزل هو التفاني والإخلاص والتضحية في سبيل المبدأ العفيف .
وقد كانت هذه الاتجاهات طبيعيه في حياة أولئك الشعراء وكذلك طبيعة الشـعر الذي عالجـوا بـه أحوالهم , وسـلوكهم الاجتماعي الهادي .
لقد عاش الحب في النفوس جذوة حيه , وتحسست به القـلوب قوة إنسـانيه , وقد ظلت هذه النـوازع تأخذ طريقـها على السنة الشعراء أحاسيس وعواطف, تفاوتت أقدارها حدة وضعفا, وتخلفت آثارها سلبا وإيجابا.
وقد قدم الشعراء نماذج قادرة على العطاء , وأمثله صادره من دواخل النفوس الإنسانية التي أسـتذوقت طعمه , فكانت حياتهم وعفتهم وتقاهم وهم يقبلون عليه وينهلون من مـوارده من صور الوفاء , ولوحة خالدة من لوحـات الفن الرائع الذي بقيت معانيها عالقة في كل نفس, وسلوكها مضربا لكل مثل.
وقد تصدى لوضع أسس هذا البناء الخلاق عدد كبير من عمالقة الشعر العربي حيث امتدت نواة هذا الحب عبر تجاربهم الحياتية الصادقة فكان المرقش الأكبر والمرقش الأصغر وعنترة وكان ذو الرمة ومزاحـم العقيـلي وأبن الدمينه , ويزيد بن الطثريه وجميل بثيـنه وكان قيـس بن ذريح ونويـة بن الحمير, والقوافـل الأخرى التي رسـمت فـوق الأرض العربية تضحية بطوليه نادرة في هذا السبيل.
ومن القصص التي تبين هذه العفة والشاعرية قصة عبد الله بن عبد الرحمن الذي كان يعرف بالقس لعبادته مع سلامه المغنية والتي كانت عند يزيد بن عبد الملك , فسمعها تغني فوقف يسمع غنائها فأدخـله مولاها عليها, فوقعت في قلبه, ووقع بقلبها , فقالت له وقد خلا مجلسهما :أنا والله أحبك , فقال: وأنا والله احبك, قالت: فأنا والله اشتهي أن أضع فمي على فمك والصق صدري بصدرك , وأضمك ألي وتضمني إليك , قال : وأنا اشتهي ذلك . قالـت : فما يمنعك من ذلـك , فو الله أن الموضع لخال, وما بقربنا احد . فقال : ويحك , أما سمعت قول الله إذ يقول : ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ) فأنا اكره أن تكون خلتي لك في الدنيا منقطعة في الآخرة , ثم وثب وانصرف.
وقال : وأنشدني عبد الله الو اسطي لنفسه في هذا المعنى :
كم قد ظفرت بمن أهوى فيمنعني منه الحياء وخوف الله والحذر
وكم خلوت بمن أهوى فيقنعني منه الفكاهة والتحديث والنظر
أهوى الملاح وأهوى أن أجالسهم وليس لي في حرام منهم وطر
كــذلك الحـب لا إتيان معصـية لا خير في لذة من بعدها سـقر
ومما يروى أيضا في هذا المجال , انه دخلت بثينة على عبد الملك بن مروان , فقال لها : والله يابثينة ما أرى فيك شيئا مما يقول جميل . قالت : يا أمير المؤمنين , أنه كان يرنو لي بعينين ليستا في رأسك. قاـل : وكيف صادفتيه في عفته؟ قالت : كما وصف نفسه حيث يقول:
لاوالـذي تسـجد الجـباه لـه مالي بدون ثوبـها خـبر
ولا بفيها ولا هممت بــــــه ما كان إلا الحديث والنظر
ويروق لي أن اذكر في العفة أيضا , ما انشد احمد بن يحيى ثعلب لبعض نساء العرب:
وبتنا خلاف الحي لانحن منهم ولانحن بالأعداء مختلطان
وبتنا يقينا ساقط الطل والندى من بردا يمنـه عطــــــران
نذود بذكر الله عنا من الصـبا إذا كاد قلبـانا بنـا يـــردان
ونصدر عن ري العفاف وربما نفينا غليل النفس بالرشفان
وقيل لكثير عزه : هل نلـت من عزة شيئا طول مدتك ؟ فقال: لا والله إلا انه ربما كان يشـتد بي الأمر فأخـذ يدها فأضعها على جبيني فأجد لذلك راحة.
وقال إعرابي , وخلا بإمرة كان يعشقها : مازال القمر يرينيها فلما غاب أرتنيه , قيل : فما كان بينكما ؟ قال : أقصى ما احل الله وأدنى ماحرم الله عزوجل , أشارة في غير يأس , ودنو في غير مساس . وانشأ يقول :
وكرب لذة لـيلة قد نلتـــها وحرامها بحلالها مدفوع
وقال إعرابي من فزاره : عشقت جارية من الحي , فحادثتها سنين كثيرة , والله ما حدثت نفسي بريبة قط . سوى أن خلوت بها فرأيت بياض كفها في سواد الليل , فوضعت كفي على كفها فقالت : مه , لاتفسـد ما صلـح فأرفض جبيني عرقا ولم اعد ..
إن هذه النماذج يمكن أن تشـكل الأســاس في وضع الأســس التي عولـج بمقتضاهــا الحـب , والإحساس الذي اعترى أصحابه , والالتزام الذي فرضته عليهم طبيعة الخلق القويم فأستطاع أن يتحكموا به, ويوجهوا نزعاتهم وجهة عفيفة ويتنزهوا عن اقتراف الآثام .

السلام عليكم و رحمة الله
بصراحة اهنئك من كل قلبي عل هذا الموضع الجميل و الرائع و الهادف و الذي يبين معنى الحب الحقيقي و الاخلاص و الوفاء ...
نسال الله ان يوفقك لكل ماهو خير و اضافة مواضيع جديدة و شيقة كهذه
و السلام