عدد القراء

لمراسلة أسرة تحرير المجلة يُرجى الضغط هنا

أدخل بريدك ليصلك جديدنا:

عروبة مصر ليست وجهة نظر - محمد يوسف





عروبة مصر ليست وجهة نظر - محمد يوسف



عـروبـة مصـر .. ليست وجهـة نظـر !
لـم تـكـن العـروبـة فى الماضي أوالحاضـر ولـن تـكـون فى المستـقبل .. وجهـة نظـر تـقـبـل الإثـبات كما تـقبـل النـفى ، ولا كانت رغـبة تحـضـر وتـغـيب ، ولا هـى مقـولة للـتـوبة ، كـما أنهـا ليـسـت خـطيـئة يـتعـين الإغـتـسال منهـا ..
إنـما العـروبة حـالة تاريخـية واقعـية ، تعـيش عـلى الأرض ، يلمسها ويتـنفسها ويعـيـش بهـا ومعهـا بشـر كـثيـرون كـثيرون .. تحـكم وجـدانهم ، وتحـدد أنساقهـم العـقـيدية والفـكرية والأخـلاقـية .. هـؤلاء البـشر قـد ملأوا التاريخ والحياة والأرض إنـتاجاً وإبـداعـاً ، بقـدر مـا ملأوها كـفاحاً ونضـالاً .. ولـم يكـونوا ليفـعـلوا أيـاً من هــذا ، إلا لـكـونهـم عـرباً اتـسـقـوا وتوحـدوا مع عـروبتهم ، أو بالأحرى مع حالـتهم العـربــية .
وبالمثـل والتطابـق .. فـإن عـروبة مصر لـيست وجهة نـظر ، ولا كانت رداءاً للـزيـنة ، كـما أنها لـيـست رجـساً يـتعـين الـتطهـر مـنه . وإنـما هى حـالة امتدت فى الـتاريخ واسـتـقـرت فى الواقـع الى ما يـزيد عـن أربعـة عـشر قـرناً حـتى الآن .. وطـوال هـذه المـدة كـانت مصـر ـ كـما هـى الآن ـ جــزءاً من الأمـة العـربـية الـتى تغـطى تـلك المساحة من الكـرة الأرضية التى تـتمـدد من المحـيط الأطـلسى الى الخـليج العـربى .. وتحـدد وحـدة الأرض واللغـة والألـم والأمـل قـسمات هـذه المساحة من الأرض ، وتصيـغ هـذه الوحـدة وجـدان البـشـر فيها ، كـما تصيغ أنـساقهم القـيـمية .. ومن ثـم فـقـد تحقـق لهـذه المساحة من الأرض وللبـشـر المقيمـون فوقها ، لـحـمة تاريخـية بالغـة العـمق والإستـقرار والمتانة والمنطـقـية .. تـلك اللحـمة الـتى لـم تـتجـزأ أبـداً فى الموضـوع ، وإن بـدا الشكل أحياناً متجـزءاً .. والموضوع فى كـل الظواهـر والحالات ـ خاصة الظواهـر الإجتماعـية ـ هـو الأبـقى والأقـوى ، لأنه الجسد والصلب ، حتى وإن بـدا الشكل أحـياناً مخالفاً ، وجاذباً ، أوبـراقاً و" مصنوعـاً " بالعـمد للتـشويش عـلى الموضوع أو لـتـشـويهـه ، أو للـنيـل مـنـه .. كما هـو الحال فيـما يتعـلق " بموضوع العـروبة .. وشكلها " .
وإذا كانت وحدة الأرض واللغـة والتاريخ والموروث الحضارى ، هـى العـمد الراسخـة لأى حالة توحد أو اتحاد بيـن أجزاء وتـقسيمات الجماعات البـشرية فى التاريخ .. فـإنـنا لا نرى أى جـماعـة بشرية قد امتلكت كــل هـذه العـناصر الأربعـة كـاملة ، ومجـتـمعـة ، بـأكـثـر مما امتــلكـتهــا الجـماعـة البشـرية العـربـية .. وهـذا إقـرار لـواقع لـيس فـيه أدنى شـبهة اسـتعـلاء أو خطابة أو عـنصـرية .
هـذا الـقطع التاريخى ـ العـربى ـ الـذى يـؤكـده امتـداده ودوامـه فى التاريخ ، يجعـلنا فى مواجهة " حـالة " واقعـية ولـسـنا فى مواجهة " وجـهة نظـر " متخـيلة .. ومن ثـم فـإنه ليس أمام الذين يرفعـون السـيوف ضـد العـروبة بوجه عـام ، وضـد عـروبة مصـر بوجـه خـاص ، إلا أن يغـمـدوا سـيوفهـم احـتراماً لحقائـق التاريخ وللحالة الواقعـية الضاربة فى عـمقـه .. بغـض الـنـظر عـن هـواهـم ، وعـن أمانيهـم المغـايرة ، وعـن مكاسبهم .. وعـما كلفـوا بـه .
وإذا كانت مقولة " الحـق ماشهـدت به الأعـداء " صحيحة ، ونحن نعـتـقـد بصحـتها المطـلقة ، فـإنه ليس الغـريب أن المنظومة المعادية تاريخـياً للأمة العربية ونهضتها ، وهى الإمبريالية العالمية التى تقودها الولايات المتحدة الأمريكية والصهيونية العـالمية والرجعـية العربـية ، هـى التى تعـتـرف بتـلك الحالة العـربية العـامة ، وبعـروبة مصـر على وجـه الخصوص .. وأن تلك المنظومة هى التى تـدرك خـطورة هـذه الحالة العـربية على مصالحها ، لذلك فـقـد وضعـت كـسرهـذه الحالة ، وإجهـاض أى بروز نهـضوى لها ، عـلى قـمة اسـتراتيجياتها ، سـواء الـشاملة أو الـتـفـصيـليـة ..
كـما أنها التى تدرك بـيقين كامل أن هـذه الجماعـة العـربية بالموقـع والتاريـخ والثـروات المادية والبـشرية الهائلة ، إنما تملك ركـائـز قـوة كـبرى ، لـو قـدر لها أن تـمتـلك إرادتها وقـدراتهـا المادية ، لـشـكـلت خطـراً حـقـيقـيـاً داهـماً عـلى منـظومة النهـب والسلـب العـالمية ، التى أرست قـواعـد الحالة الإستعـمارية العـالمية ، الـتى أرسـت بـدورها قـواعـد الـنهـضة الأوربـية " المسروقـة " .
وأيضـاً فـإنهـم يدركـون أن مصـر لأسباب لا يمكن تجاهلها ، هـى محـور الـدوران الرئيسى فى الحالة العـربية كـلها . وبغــير فـصل هـذا المحـور عـن جـسده العـربى ، فـإن الخطر عـلى شريان الـثراء الغـربى يظـل محـيقـاً وقائـماً .. ومن ثـم أدركـوا أن أول أبجـديات الإخضاع الكامل لـهذه الأمة العـربية ذات الإمكانات الـتى بلا حـدود ، هـى أولاً فـصل مصر عـن جـسدها العـربى ، وثانياً اتـمام الإخـضاع والهـيمـنة والسـيطرة الكـاملة عـلى مصـر وعـلى الأمـة ، كـل عـلى حــده .
كـنـا نـقـول أن مقـولة " الحـق ما شـهـدت بـه الأعـداء " صحـيحة .. وأن الغـريب ـ بالنسبة لـحوارنا هـذا ـ لـم يكن ما شـهـد بـه الأعـداء .. وإنما الغـريب هـو أن أعــداداً من المثـقــفين ـ خاصة فى مصـر ـ قـد اندفعـوا ، أو تـم دفعـهـم ، أو تـم الدفع لهـم ، كـى يـسوقـوا مقـولات من نـوع " مصر الفرعـونية " و " مصر القـبطـية " و " مصر الـنوبـية " ، بـدلاً من مصـر العـربـية ..
وكـى يحاولوا إحـياء اللغـة الهـيروغـليفية واللهجة النوبية مثـلاً ، الى حـد أن أحـدى قـنـوات التـليفـزيـون فـى مصـر كـانت تـقــدم بـرنامجاً لـتعـلـيم هــذه اللغــة للأطـفـال فى شهـر رمضان الماضى ( !! ) .
هـل يعـلم هـؤلاء" المثـقـفون " الـذين نصبـوا من أنفسهم حكاماً عـلى ضمير الأمة وتاريخها ، أنـه فى ذروة الثـورة العـرابية ( فى بداية ثمانينات القرن التاسع عـشر ) قـد لاح أمام انجلترا شبح انهـيار كل مطامعها التى جاهدت من أجل تحـقيـقها قـرابة قـرن من الزمن .. وأخـشى ما كـانت تخــشاه هـو بعـث الـدعـوة الى القـومية العـربـية والـتجمع الإسلامى من جـديد ، وقـيام دولة عـربـية إسـلامية كـبرى بـزعـامة أحمد عـرابى ( !! ) .. وفى هـذا الصدد ـ كما يورد الدكـتور محـمد على الغـتيت ـ فـإن سـير " إدوارد ماليت " المعـتمد الإنجليزى فى مصـر قـد بعـث برقـية يـوم 5 يونيو 1882 الى اللورد " جرانفيل " وزير الخارجـية الإنجـليزى قــــال فـيهـا :
" إذا تمكـن العـصـاة المتـمردون فى الوقـت الحـاضر مـن تحـقيـق كسب ولو جـزئى ، فـإنهـم لـن يقـفـوا إلا إذا تـم لهـم إنـشـاء دولة عـربـية مسـتـقـلة " .
وقـد مـسـت هـذه البرقـية مكمـن الخـوف الـدائـم فى قـلب انجـلترا مـن بعـث الـقـومـية العـربــية ، وما يـتـرتـب عـليهـا من نـتائج .. فـضاعـف اللـورد جـرانـفـيل جـهـوده للإجهـاز عـلى الحـركة الوطـنية قـبل أن تـتطور الى خطر القـومـية العـربـية ( !! ) .
وعـشـية الغـزو البريطانى لمصر فى 11 يوليو 1882 ، وتعـليقـاً على الحـدث الـذى دبـرته انجـلـترا تـدبـيراً محكـماً ، ثـم اتـخـذتـه بعـد ذلـك مـبرراً لغــزو مصر .. يـقـول قـنصل فـرنسا فى الأسكـندرية : " احـتـدم النـقـاش بين خباز مصرى وبين مالطى من رعـايا انجـلترا ، اسـتـل عـلى إثـره المالطى سكـيناً كـان متـسلحاً بهـا وبـقـر بـطن العـربى ... " . وفى نـفـس السـياق ، يـقـول كالفـرت نائـب القـنصل الإنجليزى فى الأسكندرية " وقعـت بعـد ظهـر اليوم اضطرابات خطيرة بين العـرب والأوربـيـين "
إن الذى كـان ـ وما زال ـ مستـقـراً فى ذهـنـية المعـتـدين هو أن الصراع إنما بـين " العـرب " وبـين " الأوربيـين " .. وأن الخـطر الأكـبر الذى يخشونه هـو " الـقـومية العـربـية " ( !! ) .
إن المستـقر والثابت نفسياً وتاريخياً ، أن البـشر يـتعـبدون بأشـكـال شـتى فى معـابـد أمـمهـم ، وفى محـاريب أنساقـهـم العـقـيدية والفـكـرية والإخلاقـية ، وأن هـذا الـتعـبد يـصـل الى ذروة الـقـداسـة حين يـكـون الإسـتـشـهـاد دون الوطـن ودون المعـتـقـد .. ولـما كان الشهـداء هـم الأكـرم مـنا جميعـاً ، فـقـد بات من المحرم والمجـرم تـسـفـيه دمائهـم التى سالت دفاعـاً عـما آمنـوا بـه أو اعـتـقـدوه ..
ومن ثـم ، تـبقى قـطـرة دم واحـدة قـد سالت من جـسـد " سليمان الحلبى " الـذى قـدم من حلب الشهباء بالـشام فى شمال الأمة ، ليقـتـل الغـازى الإستعـمارى الفرنسى " كليـبر " فى مصر ، أو قطرة من دم الخباز الذى اسـتـشـهد دون كـرامته وكـرامة وطنه ، أو قـطرة من دماء العـرب ـ من خارج مـصر ـ الـذين استـشهـدوا عـلى ضـفـاف قـنـاة السويس دفـاعـاً عـن مصـر وعـن القومية العـربـية فى وقـائع أعـوام 56 و 67 و 73 .. أو قـطـرة من دماء العـرب من مصـر التى روت ثـرى الجزائر والـيمـن وفلسطين ..
نـقـول .. تـبقى قـطـرة واحدة مـن هــذا الـدم الـذى عـمدت بـه العـروبة ، وأهـرق فــداءاً لهـا ، أشــرف وأقـدس من أعـلى رؤوس تـدعـى أن لـهـا إن بالجـدل الـثـقـافى ، أو بالجهـل الثـقافى والتاريخى والسياسى " وجهـة نـظر " مخالفـة للـتاريخ وللـواقع وللـوطن وللأمـة .
ورغـم كـل الإرتباط والتوافـق والتحالف بيـن الولايات المتحدة الأمريكية وبيـن اليابان سـياسياً واقـتصادياً وعـسكرياً ، فـإنه مـنذ أيام أجـبر الشعـب اليابانى أول وزير دفاع لـه بعـد الحرب العـالمية الثانية .. أجـبره عـلى الإستـقـالة لأنه قـدم مبرراً أمريكـياً فجـاً وفاجـراً لإفـنـاء 274593 مواطـناً يابانياً مدنـياً خـلال مـدة من الـزمن لـم تـتجاوز 86 ثانية فـقـط ( نـكــرر : سـتـة وثمانون ثانيـة فـقـط ) جـراء قـصف مدينـتى " هـيروشـيما " و " ناجازاكى " بالقـنابل الـذرية إبـان الحـرب العـالمية الثانـية ، وقـد وقـعـت هـذه الثـوانى الست والثمانون ، ضمن المدى الزمنى لـثـلاثة أيام فـقـط من شهر مارس عـام 1945 ..
لـم ينـس يابانى واحـد أرواح من أزهـقت أرواحهـم غـيـلة وغـدراً .. ولا سـمح الشعـب اليابانى لواحـد منه أن يـتطاول عـليها حتى لو كان وزيراً ، فـأجبره الغـضب الشعـبى عـلى الإسـتـقالة .. ولـم يكـن ممكـناً لهـذا الوزير ، ولا مسموحاً لـه بأن يدعـى بـأنه قـد راجع مفهـومه عـما حـدث ، واكـتـشـف أن " ظروف الحرب كانـت تجـعـل مما حـدث أمـر لا يمكـن تجـنبه " كـما قـال .. أو أن يـدعـى بأن تـلك هـى " وجهـة نظـره فـيما حـدث " .
إن الـتاريخ الوطـنى للأمـم بكـل ما يضـمه من مقـدسـات لا يمكن أن يكـون " وجهـة نـظـر " أو بـنـداً فى جلـسـة للـتـفاوض ، أو مجـالاً لـشطحـات وحـذلـقـات وهــذيان بعـض المثـقـفـين .. أو المحـسوبين كـذلـك ، هـؤلاء الـذين يـريدون تحـريـك مـصـر من مـوضعـها كــقـاعـدة للوطـن العـربى وقــلبـاً لـه ، الى أن تـلحق بقـبرص أو مالطة ضـمن مشاريع " الشرق الأوسط الجديد " أو " الأورومتوسطية " أو ضمن الأفـق الإستعـمارى الجـديد للمنظومة المعـادية ، الذى يتجـلى فى محاولات إنهـاء القضية الفلسطينية ، وفى سلخ العـراق من أمتـه بعـد تـدمـيره وسـلبه ونهبه وتـقسـيمه ، والشروع فى تكرار ذلك فى السودان والصـومال ولـبـنان وسـوريا ..
الأمـر الغـريب الآخـر ـ فى هـذا الصـدد ـ هـو أن العـالم كـله يتـجه الآن الى تشكـيل الكـيانات الكـبـيرة ، حـتى أن بعـض الـدول تخـتـلق أسـباباً لتـلتحـم بـدول أخـرى ، ويحدث ذلك بالتـوازى مع الرغـبة الإستعـمارية الغـربية الفاجـرة فى تفـتـيت باقى العـالم الـى قـطع صغـيرة ، حتى يسهـل الإنفـراد بكل قـطعـة والتهامها وتحويل أبنائها الى خـدم ينـتجون لإطعـام المستعـمر المحتل ، أو ينـتجون المـواد الخـام لـتدويـر آلـة المصنع الرأسمالى المتـوحـش ..
كل ذلك وبعـض المثـقـفـين العـرب ما زالـوا يمتـشقـون رماحـاً ضـد العـروبة .. وتحـديداً ضـد عـروبة مصـر .. وأبرزهـم عـلى ذلك المسرح الآن ، كاتب السناريو أسامه أنور عـكاشة ، والشاعـر أحمد عـبد المعـطى حجازى .
الأول .. كاتـب سيناريو لـم يكـتسب المكانة التى يحتـلها الآن فى مهنـته إلا بعـد أن قـدم له التـليفزيون مسلسلاً يـقـف عـلى قدمين ، واحدة تعرى وتـفضح الطبقات الإجـتماعية التى قـامت الثـورة لتحرر الجماهـير من قبضتها المستغـلة والخائنة للمجتمع وللوطن ، والثانية توضح انحـياز الثـورة لتـلك الجماهير ، وإصرارها عـلى تحـقـيق العـدل الإجتماعـى الذى هـو الشرط الحاكم لإقامة العـدل بأى شكل ومضـمون .. ومع توفر عـناصر أخـرى لإنجاح أى عـمل فـنى من هـذا النوع ، مثـل الإخـراج وكـفـاءة الممثـلين وغير ذلك ، حقـق هذا المسلسل نجاحاً فاق كل التوقعـات بما فيها توقع كاتبه ، واستـقـبلته الجماهـير العـربية فى الوطن العـربى كـله استـقبالاً يليـق بمضمونه العـروبى .. وكان هـذا المسلسل هـو ضـربة البـداية التى انطلق منها هـذا الكاتـب ، ويرى كـثير من النـقاد أنه بغـير ذلك لما حـق عكاشة ما قـد حـقـقه .. وقـيل فـيما بعـد ، أنه ورغـبة منه فى تدريب كتاب السيناريو الشباب ، فـقـد أنـشـأ ما يسمى بـ " ورشة السناريو " ، التحق بها عـدد منهـم ، وبالتأكيد كان منهم من قـدم أفـكـاراً وموضـوعـات جـيدة تـصلح لأن تـتحول الى مسلسلات تـشـتـهـر .. وإن لـم يـشتهـروا هـم أنـفـسهـم ( ؟!! ) .
والثانى .. كان دوماً محسوباً عـلى أنه من الجيل الذى أنتجه ذلك المشروع النهـضوى العـربى العـظـيم الذى بـدأه وقـاده جمال عـبد الناصر ، وشـمل حياتـنا فى مصر وباقى الوطن العـربى بكـل ما تحويه من مفـردات وتـفاصيل .. وفى المركز من ذلك كان نشر التعـليم والمعرفة والإستنارة بغـيـر حـدود .. وكـان استـنهاض الأمة العـربية واستحضار ما لهـا من عراقـة وأنساق مجـد وتـحـد .. ولولا هـذا الإحـتـضان الثـورى الواعى ـ ولولاه فـقط ـ لما عرفنا فيالقاً من المثـقـفين الذين أعـطوا الوطن والأمة بغـير حـد .. ومن هـؤلاء كان أحمد عبد المعطى حجازى ، الـذى ـ بالصدفة ـ لم يُـقـرأ لـه شعـر قـبل 1952 ، ولـم يـُقـرأ لـه شعـر بعـد 1970 عـام رحـيل عـبد الناصر ، سـوى قـصيدة واحـدة كـتـبها فى رثـائـه وأسماها " مرثية للعـمر الجميل " أبكـانا جميعـاً فـيها وبهـا على رحيل عـبد الناصر ، حـتى فـاضت مـياه النيـل بـما فـاض من أدمعـنا .. وأصبح حجازى يعـرف بتـلك القصيدة أكـثـر مما تعـرف هـى بـه .. بعـد ذلك تحول الرجل الى كاتـب مقـال ، كـأنـما قـد هجـر الشعـر ، أو كـأنما الشـعـر قـد هـجـره .
الى أن جاء أنور السادات وأمريكا ، لـيفـتح الباب عـلى مصراعـيه للنيل من مـشروع النهـضة هــذا ، ومن شخص عـبد الناصر .. ومن القومية العـربية . وركـب هـذا القـطار وسـكـن عـرباته المتهالكة كـثيرون ، كان منهم ـ للأسـف ـ أحـمد عـبد المعطى حجـازى .. وكان لكـاتب هـذه السـطور رد عـليه ونـقـد وعـتاب نـشـر فى حـيـنه .
وعـلى مـدى سـبعـاً وثلاثـون عـاماً لم تـستـطع المنـظومة المعـادية للقومية العـربية أن تـنال منها عـلى الأرض بغـير القـهـر والجـبر والـتسلط الذى تحالفت فـيه االإمبريالية العـالمية مع الصهـيونية العـالمية مع الرجعـية العـربية الخائفة والخـائـنة .. ولما فـشلوا فى ذلك ، كان فـكرهـم الجديـد أن يتم الإجتـثـثاث من الجذور ومن الضـمائـر والوجدان ، وبأسلوب مبـتـكر .. بعـض من أبناء للعـروبة يعـلنـون كـفرهـم بـهـا .
وهـكـذا تعـرضت العـروبة وعـروبة مصـر تحـديداً الى زخـات من هجـوم عـاجز ، لـم يـدرك مطلـقـوه الـذين تـربوا فى حـضنها ، ونعـموا كـثيراً بخـيرها ، أن هـجومهـم قـد ارتـد إليهـم ، لأن جـريـرة الإجـتراء عـلى تاريخ الوطن وعلى وجدان الأمة أمـران لا يـعـرفان الغـفـران .
وفى هـذا السـياق .. قـد يكـون من المهـم أن نـقـرأ السـطـور التـالية :
أورد الصديـق الأسـتاذ صلاح زكى فى كـتابه " مصر والمسألة القـومية " الذى صـدر عـن " دار المستـقـبل العـربى " عام 1983 وفى صفحة 133 السطور التالية .. وقـد نسـبهـا للسيد أحـمد عـبد المعـطى حجـازى ، قـبل أربعـاً وعـشـرين عـامـاً مـن الآن : " إنـتماء مصر للعـروبة قـضية حـسـمت منـذ الفـتـح العـربى ثـم الإسلامى لمصر ، بـل أكـاد أقـول إن انـتماء مصر للمنطـقة العربـية سـبـق الفـتـح الإسلامى بعــشرات المئات من السنين ، عـندما تواصل الدور الإستراتيجى لمصر ، واتسع وامـتــد ليـشـمـل أرجـاء عـديـدة فى المـنطـقة ، حـتى جــاء الفـتـح العـربى والإســلامى ، فـأكـد بالـتراث واللغـة والثـقـافة ما برهـنت وأكـدت عـليه الوحدة الإستراتيجية للمنـطـقة .
ولكـن ما نـود أن نؤكـد عـليه ، أن الإدعاء السياسى الراهـن الذى يـقـول بأن مصــر ليـست عـربـية ، اسـتـناداً على خصوصية مصـر ، هـو ادعــاء يـقصد تعميـق عـزلة مصر ، ، وإرجاعها الى حـيز إقــليمى ضيـق هــزيل . أن أصحاب هـذه الدعـوة يسـتـندون على ما يـسمى " مسـألة الإنـقطاع " فى تاريـخ مصر الذى يـقـدمه أصحاب هـذه الدعـوة على أنه عـصور سـياسية متـناقضة منسوبة الى السلالات والأسـر الحاكمة ، فهـو تاريـخ يفـتـقر الى الوحـدة وخـصوصاً بين شـطـريه الرئـيسيـين : الفرعـونى والعـربى الإسلامى .
أن الـسـر فى هـذا الفـصل بـين مراحـل التاريـخ المصرى يكـمن فى خــطأ منهجى هـو النـظر الى إسـلام المصريين وتعـربهم على أنه نـتيجة فعـل خارجى كان المصريون مجـرد موضوع له .. فى حـين أنـنا لو نـظرنا اليه على أنه النـيجة المنطقية لتطور الـتاريخ المصرى القـديم من ناحـية ، وتـفاعله مع تاريخ المنطـقة وأهـدافها من ناحية أخـرى ، لأدركـنا أن مصر العـربـية الإسلامية لـيست إلا ولادة جـديدة متـطـورة لمصر الفرعونية التى كـانت قــد اضمحـلت قـبل ظهور الإسلام بأكثر من ألف عـام " .
بعـد ذلك وفى الصـفحة التالية ، وضـع صلاح زكى عـلامة ( 1 ) التى تــدل الـقارىء على هـامش التعليـق على هـذا الكـلام أو تـدله عـلى من قاله .. وفى أسـفـل الصـفحة كـتـب ما يـلى : ( " 1 " أحـمـد عـبد المعطى حجــازى : رؤيــة حـضارية طبقـية لعـروبة مصــر " دار الآداب ـ بيروت 1979 ص 9 " ) .
بـعـد تلـك الكلمات التى شهد بها حجازى على نفسه ، والتى تعد سقوطاً ثقافياً مشيناً .. وبعد الحرب الضروس التى ما زالت رحاها تدور اليوم ، وعلى مدار الساعة ، فوق أرض غزة العربية بين مثلث العداء الدنس للأمة العربية ، وبين المقاومة الفلسطينية الأسطورية الباسلة .. وبعد ذلك السقوط المدوى لبعض المثقفين " المارينز " العرب الذين دعم بعضهم العدوان ، أو سكت عنه ، أو حمل المواطنين العزل المسئولية ، أو لم يدرك ثوابت العدوان ومتغيراته ، أو ركع تحت خذاء النظام السياسى العربى طمعاً فى الهدايا والتكايا والوسايا .. بعد ذلك لم يعد لـديـنا أى تـعـليـق ( !! ) .

منشورات مجلة Unknown بتاريخ السبت, سبتمبر 25, 2010. أنظر قسم , . نرحب بآرائكم وملاحظاتكم ومساهماتكم راسلنا

0 التعليقات على موضوع عروبة مصر ليست وجهة نظر - محمد يوسف

علّق على الموضوع

أحدث المواضيع

آخر التعليقات

معرض الصور

.

تعريب وتطوير مكتبة خالدية.. جميع الحقوق محفوظة لمجلة بيتي وبيتك للإعلامية صبا العلي