أزمة القراءة والمطالعة في الوطن العربي - بقلم بونيف محمد الامين استاذ جامعي مدير مكتبة جامعية - الجزائر
تعتبر المطالعة من أهم وسائل كسب المعرفة ، فهي تمكن الإنسان من الاتصال المباشر بالمعارف الإنسانية في حاضرها و ماضيها ، وستظل دائماً أهم وسيلة لاتصال الإنسان بعقول الآخرين وأفكارهم ، بالإضافة إلى أثرها البالغ في تكوين الشخصية الإنسانية بأبعادها المختلفة ،وهناك فرق واضح بين إنسان قارئ ، اكتسب الكثير من قراءاته وإنسان أخر لا يميل إلى القراءة ولا يلجأ إليها ، مع أن المطالعة تحتوي على أمور ثلاثة مهمة :- الملاحظة – الاستكشاف – البحث الذاتي عن المعرفة . ومن هنا تأتي شمولية القراءة والاطلاع .
وتعتبر المطالعة الركيزة الأولى لعملية التثقيف ، وهي مكملة لدور المدرسة ووسيلة من أهم وسائل التعلم، ومما لاشك فيه ازدياد الحاجة إلى تعليم مهارات القراءة اللازمة وهذا نتيجة النمو الهائل في المعرفة البشرية .
حيث يعرف الوطن العربي عزوفا عن المطالعة والقراءة ، إذ أصبح من العادي أن ترى مكتبة خاوية على عروشها ، خاوية من المطالعين ، إلا قلة معدودون على رؤوس الأصابع وكأني أسمع المكتبة تستنجد وتنادي قائلة: هل لا يوجد من يطالع كتابا من مكتبتي؟ أين هي أمة إقرأ؟ الكتب ترثي بعضها البعد ، فلم يعد يوجد من يعير لها الاهتمام، في هذا السياق تشير آخر الإحصاءات لعام 2005، أنّ معدل نشر الكتاب في العالم العربي لم يتجاوز نسبة 7%، وأن نصيب كل مليون عربي من الكتب المنشورة في العالم لا يتجاوز الثلاثين كتابا، مقابل 584 كتابا لكل مليون أوروبي و212 لكل مليون أميركي، حسب تقرير منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة والتربية (اليونسكو) ما يؤكد أن مستويات القراءة في العالم العربي متدنية مقارنة بالمعدلات العالمية.
كما ان تسعة كتب يقرؤها المواطن الإسرائيلي في حين المواطن العربي يقرأ سنويا ربع صفحة . كما تتراوح أعداد النسخ المطبوعة من الكتاب العربي في المعدل العام بين ألف وثلاثة آلاف نسخة وفق تقرير التنمية البشرية الأخير، بينما تبلغ عدد النسخ المطبوعة للكتاب في أوروبا وأمريكا عشرات الآلاف الأمر الذي يعكس مدى تدني صناعة الكتاب في العالم العربي. فكيف نفسر ذلك؟ ولماذا كل هذا العزوف عن القراءة في دنيا العرب والمسلمين؟ وما هي الأسباب والعوامل التي تجعل "أمة اقرأ" لا تقرأ؟ ما نحاوله في هذا التحقيق هو فهم هذه الظاهرة المقلقة من خلال معرفة أسبابها وعوامل استيطانها في بلادنا، من خلال الوقوف على المشاكل الحقيقية التي تساهم في تدني تلك الصناعة، أو تلك التي تنتج حالة التراخي والنكوص عن القراءة بمدلولاتها وأبعادها المعرفية الواسعة الأمر الذي جعل منطقتنا تعيش حالة من الجهل والتخلف والسقوط الحضاري.
هذه الإحصائيات إن دلت على شيء فإنما تدل على حجم الكارثة التي حلت بالعرب وتعتبر وصمة خزي وعار في جبين كل عربي ولهي خير دليل على المستوى الثقافي والمعرفي المتدني الذي نعيشه مع الأسف. لم يعد الإنسان العربي يعطي أهمية أو أولوية للكتاب نظرا لظروف عدة وأسباب تتحكم في تعامله معه، لذلك تقلص دور الكتاب ولم يعد كما كان في الماضي ، فلقد أصبح المواطن العربي منشغلا في تأمين عيش كريم و أصبح يفضل شراء مواد غذائية أو استهلاكية ينتفع بها هو وعائلته عوض أن يقتني كتابا يثقف به نفسه وهنا يدخل دور القدرة الشرائية للمواطن العربي التي تعتبر ضعيفة - أتكلم عن الدول العربية المحدودة الدخل إن لم أقل فقيرة- أما الدول العربية الغنية فتلك مسألة أخرى وطامة كبرى وحكاية لا نهاية لها فالفقراء يعملون جاهدين للقراءة أما الأغنياء في تلك الدول التي ذكرتها " فلا يعرفون معنى كلمة قراءة وليس لديهم الوقت لذلك ".
بينما يتمثل المعطى الثاني في التلفاز الذي غزا البيوت العربية فلا يكاد يخلو البيت من جهاز تلفاز ، ومن هذا المنطلق أصبح الإنسان العربي يعتمد على المشاهدة لتلقي المعلومة نظرا لتطور وتنوع البرامج التي يقدمها التلفاز ، فلا أحد ينكر دوره وفعاليته في عصرنا هذا. أما المعطى الأخير والأكثر منافسة للكتاب فيتجلى في اكتساح الشبكة المعلوماتية أي الإنترنت الساحة فأصبحت تقدم خدمات ذات جودة ومواصفات عالية في شتى المجالات والميادين، بفضل الإنترنت يمكنك الحصول على المعلومة المراد بلوغها في وقت وجيز دون تكبد مشقة البحث في المكتبات أو عناء التنقل فيها وهذا مايحبذه خاصة الشباب ، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه رغم كل ما توفره الإنترنت من فوائد ومعلومات قيمة ، تكاد الأغلبية الساحقة تستخدمها وتوظفها في أمور تافهة لا فائدة ترجى منها. لذا يجب اتخاذ إجراءات وتدابير للتشجيع على القراءة بدءا بتنشئة الأطفال على حب المطالعة وتوطيد علاقتهم مع الكتاب ، وكذا التحسيس والتوعية بدور الكتاب و تنظيم معارض للكتاب بشكل مستمر والإكثار منها. مما لا شك فيه أن الكتاب يتعرض للنسيان وفي ظل المنافسة الشرسة التي تضيق الخناق عليه من كل الجوانب ، يظل الكتاب صامدا ولا يزال يوجد عشاق الكتاب الذين يعرفون حقه وقدره وقيمته، هم الآن يلتفتون إليه، ينفضون الغبار عن جلدتيه ويتصفحون صفحاته التي تزخر بعلم فياض يغمر قارئه ، ويثري المرء بفوائد جمة وكنوز ثمينة لا تعد ولا تحصى قل ما تجدها في وسيلة أخرى. من عرف قيمة الكتاب عرف خيرا كثيرا واهتدى إلى الطريق القويم والصحيح، لهذا تتعددت الأقوال والأشعار في فضل الكتاب ومنزلته السامية فها هو الجاحظ يقول في فضل الكتاب: " هو الجليس الذي لا يطريك، والصديق الذي لا يغريك، والرفيق الذي لا يملك، و المستميح الذي لا يستثريك " ويقول أيضا: " الكتاب هو الذي إذا نظرت فيه أطال إمتاعك ،وشحذ طباعك، وبسط لسانك..... تظل مكانة الكتاب ويبقى هو المصدر الأول للمعلومة رغم كل المنافسة التي يتعرض لها وصدق من قال : أعز مكان في الدنيا سرج سابح *** وخير جليس في الأنام كتاب
إن أهمية المطالعة عند العقلاء من أسمى الأهميات وأجلّها قدرا, وقد توشك القراءة أحيانا أن توازي الشراب والطعام لدى المولعين بها ممن عرفوا شرفها ومدى قدرها.
و قد أثبتت الباحثة الأميركية "برنيس كلنيان" أن القراءة تعمل على :
- زيادة رحابة عالم الطفل.
- تنمي استقلاليته.
- تثري خياله.
- تؤسس لديه عادة القراءة طوال حياته.
- تطور مفرداته اللغوية.
- تنمي عنده المقدرة على فهم الآخرين.
- تزيد من الألفة العاطفية بين أفراد الأسرة.
دور المكتبات العامة
ونظراً للدور الذي تقوم به المكتبات العامة في خدمة القراء من خلال تهيئة المكان للقراءة في قاعاتها، أو الإعارة لمشتركيها، نلاحظ أن هناك تراجعا في أعداد رواد المكتبات العامة في الوطن العربي عموما، وذلك لتراجع دور الكتاب في حياتنا وانخفاض عدد القراء بفعل أسباب عديدة ثقافية وسياسية واقتصادية، وانشغال الناس بالكثير من المشاغل اليومية ما أدى إلى تناقص ساعات الفراغ في حياتنا.
ذلك أن رواد المكتبات حاليا هم من الطلبة والدارسين في الغالب، حيث قل أعداد الذين يرتادون المكتبة حباً في المطالعة واستثماراً لأوقات فراغهم بما هو مفيد، لكن ذلك لا ينفي وجود عدد من الرواد من المتقاعدين وكبار السن الذين يرتادون المكتبة بصورة دورية حبا للمطالعة وبحثا عن الفائدة.
وحول ما أحدثته وسائل التقنية الحديثة من تأثيرات على الكتاب، فنحن نرى أن الحصول على المعلومة أو المعرفة التي نحتاج إليها لم يعد مقتصراً على الكتاب فقط، ومن هنا فإن الإنترنت وانتشار الفضائيات ودخولها إلى كل بيت له علاقة مباشرة بظاهرة العزوف عن المطالعة؛ فانتشار الانترنت وسهولة البحث في الكم الهائل والمحدث من المعلومات المتوفرة على شبكة الانترنت جعلت الكثيرين يهجرون