لا يحملون عبء أرواحهم - للشاعر بركات معبد
لعلى أسرفت في الرضا
وفتحت ساعدي لسياط التفاؤل
فأفلتت وصايا جدي من ثقوب المضاجع
واحتمت بالشوارع من صقيع البيوت
وقفت مع الواقفين في حلق الأمنيات
نعلق أحلامنا على حناجر مستترة
في انتظار أن تجفف الشمس بلل دمائنا
أغمض عيني
أرى السكون يمر تحت إبطي متخاذلا
فأنهض من ثبات المرارة مشتعلا
مع حبات مسبحة جدي المعلقة على حائط الذاكرة
أفتح باب الصباح على جسد المزارع
أحمل إليها الندى الساقط من زحمة الوقت
لكنها الشوارع لم تثمر تحت المطر غير الوجع
ولم تبصر الخطوات زلتها على حافة الوهم
كان الصوت الخجول على مداخل جسدي
ينزف من رحم المنازل ألما بلون الأرصفة
فالمرأة التي في آخر الممر
كانت أمي
تلتقط أنفاسها من وجوه العابرين
وتخلع أحزانها في كاميرات المصورين
تنزف حيث يقف الجلادون
بالهراوات المكهربة من وراء جدر
ليسقط على صدرها بهاء الشهداء
تمضي مكسورة
– مع من يغسلون جراحهم – إلى مساء أخير
تتآكل فيه الأجساد على مغاسل الموتى
وبعينين مغمضتين
تحشد أبناءها العرايا على امتداد النهر
لتلملم الأرواح المتناثرة في سواد الظهيرة
كانت هياكل الموتى
تتراقص فوق ظهرها المقوس
والبرد يحلق حول جسدها المبلل بغبار السنين
يغرز رعشته في رحم المساءات الراجفة
كان الخوف أسوأ من ليل الجياع
يشد أقاصيص الموت
بين أجساد الكسالى وأعمدة الإنارة المشوشة
يزرع وشمه على صدر البنايات
ويرمم وجه احتقاننا على أطلال منسيّة
هربت إلى أول الصف
وقلبها باسط شرايينه للفراغ
أطير رعشتي إلى أخر الجوع مثل السراب
أحارب نسَّاجات الرصاص على مخادع النيام
كان ممسكا هامة الرزق
تحرسه الثعالب والضباع
ضرب أوجاعنا بالرمل
وحفَّن في وجوهنا تقاسيمه القميئة وأفل
فالملاين لا يحملون عبء أرواحهم
ولا يرقصون سكارى
فوق أغصان الحكايات كالعصافير المتعبةِ
وهم يحملون الورد لأنبياء بلاد فقدت ساكنيها
روعه ياشاعر