على قبر جدي - شعر بركات معبد
كان ابي يقرأ الفاتحة
ثلاثا ، خمسا ، سبعا
وفي كل مرة
يضع حصاة في كفي الصغيرة
ولأنني لا أحب الأعداد الفردية
كنت أسقط واحدة في غفلة أبي
حتى امتلأت غفلته بأسنانهم الحجرية
في الحياة القديمة
كان الموتى يجالسون أبناءهم
يمسحون أنوفهم الكريهة
باللحظات المتدلية من عنق الماضي
وتحت الأسقف القديمة للياليهم المهجورة
يجبرونهم على معاقرة التوت المخلوط بعظامهم
قبل آخر أية من القراءة الأخيرة
تخلصت من أغلال أبي اللعينة
وركضت خلف الظلال الهاربة من شمس الظهيرة
لأخرج من شقوق الأرض
ملفوفا بحبلها السُّري
وعلى ظهري المقوس تضع المجرة بيضها
تشدني القابلة من رئتي
فتخرج الكواكب من البيض
أنزل من غموض البدايات
أبحث عن دمي في عروق الوقت
وأحدث الأرض بلغة التوحد الحجري
تدس القابلة رأسي بالرمل
وتتهيأ لقطع المسافة التي تفصلنا عن النبوءة
ألملم العاصفة بيد وبالأخرى أطوح أول صرخاتي
تحفن صوتي بخرس يديها
تبوح للرمل بقرباني المردود إلى صدري
تنبت من رأسي شجرتها العجوز
تمرر وريدها في نبضي المشلول
فالشجرة أورقت بالغربان لتفضح سوءة القابلة
الموت اسبق من الحياة
هكذا تؤمن القابلة
تلقمني ثدي الأرض الميتة
وتتلو ما يوحى إليها من سِيَر الغياب
اكتفت بتناول الشاي وهمت بالانصراف
الأرض لا تترك الأجساد تفسد
تأكلها أو تؤكِلها
ولم تتح غير الانتظار على ضفاف الوقت
لذا ترددت القابلة
على النساء المدججة بطونهم بالطواحين
تعصر أعصابها في مناديل التوقع
وتراهن على الذكورة في ممالك النساء
لتنعش الأرض المهددة بيباس البذور
ويبدأ البحر أول مراحل المد على ثدي الشواطئ
يبلل جسدها الشفيف برائحة الماء والملح
بينما النساء على مضارب العزلة
لا تتقن غير صيحات الطلق ورعشة الكلام
سأرمي طفولة الماء بالبحر
وأجني النعاس من عيون التعب
أدلل ضفائر الطبيعة بخجل الغروب
وأنصِّب مني حاكما للبلاد
لي فسحة من جواري البهاء
وإنجيل من نشيد البلابل على مآذن النخيل
هنا على مشارف الغيم
ضللنني المطر ذات أمس
أوقع بي في شرك الحدود وموبقات العشيرة
لمن العويل إذن إذا ابتلتك البلاد بالرحيل
ودثرتك فلول الغياب بظلمتي الحب والفراق
سآوي إلى البحر بتعويذة ( أيوب ) وغبطة النوارس
أثقب قشرة الموج بفرح الأطفال ومزاح الكواكب
وأخرج من ثنايا المحار كالمجراتٌ
بالأمس كان الحمام يشد ذيل النجوم بهديل المساء
يقبل صوت أنثاه باشتياق المسك
فلها البدء في مشاتل الأمس وعلى أسرة النعناع