متى من العفن يفلت الغرب ومتى ينضج العرب؟ - بقلم سامي الشرقاوي
طلبْ الرئيس محمود عباس عضوية كاملة لدولة فلسطين في الامم المتحدة، برغم أهميته الا انه يعتبر
خطوة صغيرة جدا على طريق رد اعتبار هذا الوطن السليب. وهذا الطلب البسيط يلاقي هجمة شرسة من الولايات المتحدة قبل اسرائيل التي اعطته بعداً امنيا فجنّدت جيشها للدفاع عن اسرائيل اذا لزم الامر تزامناً مع الحدث، للايحاء للعالم مدى قابلية الشعب الفلسطيني للعنف.
لا اريد ان اخوض هنا في تفاصيل معارضة او تأييد هذا الطلب، أو لماذا المعارضة ولماذا التأييد، لأن هذا كله يأتي في اطار لعبة سياسية من ألعاب الامم المتحدة، لتنحية الانتباه عن القضية الحقيقية وهي الوطن الفلسطيني المسلوب... وليس فقط الدولة الفلسطينية المغتصبة.
ولكنني أحب ان اجري مقاربة بسيطة بين حجة أبي مازن وبين حجة نتنياهو.
يقول الرئيس الفلسطيني " نحن طلاب حق ونحن الشعب الوحيد في العالم الذي لا يزال تحت الاحتلال"، وأتبع " بقينا 63 عاما تحت الاحتلال وننتظر حريتنا".
طبعا استفزّ هذا الكلام رئيس وزراء اسرائيل، وعلّق عليه متسائلا كيف يتكلّم عباس عن عام 1948 بينما السلام الذي ينشده الفلسطينيون يتحدّث عن حدود 1967.
ليس هذا الامر الوحيد الذي استفزّ نتنياهو، بل يبدو ايضا ان خطاب محمود عباس الحاسم ولغته المختلفة وحديثه عن قرارات لا رجعة عنها بعضوية فلسطين وتوفر الشروط للعودة الى المفاوضات، ورفض يهودية الدولة الاسرائيلية ورفض اي وجود احتلالي اسرائيلي للجيش والمستوطنين في داخل حدود عام 1967، قد جعل نتياهو يحاول أن يقف وقفة تستدرج عطف من يسمعه، أولا باظهار اسرائيل انها هي الدولة السليبة وثانيا ان الاسرائليين هم المشرّدين الخائفين الذين يُقتل منهم الآلاف. حقاً اذا لم تستحِ فقل وافعل ما شئت....
حاول نتنياهو في بداية خطابه أن يشير سلبا الى الجمعية العامة واصفا هذه الجمعية "بالغرفة المظلمة" وأن مجلس الامن يترأسه منظمة ارهابية في اشارة الى حزب الله والوفد اللبناني الى الامم المتحدة وترأس لبنان الدورة الحالية لمجلس الامن.
ثم حاول حشر الرئيس الفلسطيني، بأن قال في نهاية خطابه بأنه على استعداد تام لبدء مفاوضات مباشرة معه فورا وسط جدران مبنى الامم المتحدة. وهذا يدل على مدى الاحراج الذي يتخبط به المسؤول الاسرائيلي خصوصا بعد ان وجد تجاوبا غير مسبوق في القاعة مع خطاب محمود عباس وعضوية الدولة الفلسطينية. وكان عباس في خطابه قد اشترط للتفاوض وقف اسرائيل للاستيطان واعتراف بدولة حدودها 1967، فقابله نتيانهو بعرضه التفاوض المباشر فورا دون أية شروط او تحفظات من الطرفين.
لم يبرر رئيس وزراء اسرائيل ما قاله عباس عن المصادرة الممنهجة للأراضي الفلسطينية، وطرح العطاءات لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية الجديدة وبخاصة في القدس، وفي مختلف مناطق الضفة الغربية، وعبر بناء جدار الفصل الذي يلتهم مساحات واسعة من أراضي الفلسطينيين، مقسمًا إياها إلى جزر معزولة، ملقًيا بذلك آثارًا مدمرة بحياة عشرات الألوف من الأسر.
بل تحدث عن تضحية اسرائيل المتواصلة باعتمادها اسلوب السلام الشامل الى درجة الانسحاب من اراضٍ احتلتها مثل غزة وجنوب لبنان الا ان هذا الفعل بنظره قد أكسب المتطرفين الاسلاميين مثل حزب الله وحماس مكاسب قوية ووضع امن اسرائيل في خطار حقيقي، وهذا كاف بنظره بأن ترفض اسرائيل اي عروض سلام سخية من قبلها حتى لا تقوى شوكة التطرف الاسلامي وفق تعبيره.
وكان الرئيس الفسطيني قد برر اعتماد الفلسطينيين طريق العدل النسبي، بحسب كلامه العدل الممكن والقادر على تصحيح جانب من الظلم التاريخي الفادح الذي ارتكب بحق الشعب الفلسطيني، فصادقوا على اقامة دولة على 22% من اراضي فلسطين اي على حدود 67 واعتبر تلك الخطوة تاريخية قد تسمح باقامة سلام بين اسرائيل وفلسطين.
وقد حدد عباس أربعة أهداف وهي اقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمته القدس الشرقية، فوق جميع اراضي الضفة الغربية وفقا لقرارات الشرعية الدولية وتمسك منظمة التحرير برفض العنف وادانة كل انواع الارهاب وبخاصة ارهاب الدولة والمستوطنيين والتمسك بخيار التفاوض، ومواصلة المقاومة الشرعية السلمية لسياسات الإستيطان. وأكد "عندما نأتي بمظلوميتنا وقضيتنا إلى هذا المنبر الأممي فهو تأكيد على إعتمادنا الخيار السلمي وأننا لا نقوم بخيار أحادي الجانب أو لعزل اسرائيل بل نريد اكتساب الشرعية لقضية فلسطين".
حجة نتنياهو كانت أن حماس انهت السلطة الفلسطينية في غزة في يوم واحد، واسرائيل تخشى انه طالما ان حماس ليست في صلب المفاوضات فإنها ستكون خطرا دائما على أمن ووجود اسرائيل.
كان هذا ردا على قول عباس و"عندما عصف الانقسام بوحدة الوطن فقد صممنا على إعتماد الحوار واستعادة الوحدة"، و"نجحنا قبل شهور بالوصول الى مصالحة، وكان عماد المصالحة هو الالتزام باجراء انتخابات تشريعية خلال عام، لاننا نريد دولة القانون وتداول السلطة عبر صناديق الاقتراع، ونحسب ان التقارير الصادرة عن الامم المتحدة والبنك الدولي قدّم شهادات أشادت بما تم انجازه".
قسّم عباس الامم الى قسمين، قسم يعتقد ان الفلسطينيين شعب فائض عن الحاجة في الشرق الاوسط، وقسم آخر يعتقد تن هناك في الحقيقة دولة ناقصة.
صحيح ان هذه الخطوة من الرئيس الفلسطيني ناقصة... بيد انها خطوة مهمة لم يسبق اليها احد من قبل. وهي برغم حتمية طيّها وارشفتها في ملفات الامم المتحدة تحت عنوان "غير قابلة للتطبيق"، لكنها تبقى خطوة قدّمت القضية الفلسطينية بشكل رسمي قانوني الى الامم لتبت في وضع الشعب الفلسطيني الذي لا يعرف كيف ضاعت دولته وليس متأكدا من أنه سيكون له دولة في يوم من الايام.
ولحركة حماس والقوى الفلسطينية الاخرى التي عارضت رئيس السلطة الفلسطينية في مسعاه، حق المعارضة، وحقّ شرح الاسباب لهذه المعارضة، وحقّ ابداء عدم الثقة بمجلس الامن والامم المتحدة وجمعيتها العمومية، وحقّ الايمان بأن الوطن الفلسطيني كله يجب أن يسترد وليس فقط دولة فلسطينية على مساحات مجزأة تظل تحت سيطرة اسرائيل...
لكن ليس لحماس وهذه القوى المعارضة لعباس ان تنتقده جهارا وتحبط من عزمه. فإن كانت الخطوة صغيرة، ولو بدت حتى لا تقاس بحلم طفل فلسطيني صغير، فإنها تبقى خطوة سعى اليها رجل من فلسطين بغض النظر عن سياساته وخلفياته... الا انه كان صادقا كل الصدق بطرح هذه القضية كما طرحها، ويجب على أقل تقدير تأييده معنويا وأخلاقيا، لا أن نضعفه أمام الاعداء وأمام من يتربص بنا عند كل مقال أو فعل نقوله او نفعله.
ولكن لننسى السياسة قليلا ونركز على ما قاله نتنياهو في خطابه العاطفي، عن اقدمية الدولة الاسرائيلية والتسمية التاريخية لليهود، التي نبعت من كون هذا الشعب ينتمي لارض يهودا، وتباهيه باسم بنجامين الذي يعود الى احد ابناء يعقوب الذي هو اسرائيل ومنه انحدر اسم اسرائيل التي يجب من وجهة نظره أن تكون دولة يهودية. وقوله أننا أبناء اب واحد هم يسمونه أبراهام ونحن نسميه ابراهيم.
كلام جميل ومؤثر...ولكن لنخوض قليلا في التفاصيل...
أولا: صحيح ان اسرائيل وجدت كما قال نتنياهو قبل 2700 عاما عندما جاء الملك دافيد(داود) وأقام هذه المملكة... ولكن الصحيح أيضا أن فلسطين كانت موجودة قبل هذا التاريخ، ويشهد على ذلك كل الكتب السماوية وكتب التاريخ التي تتحدث عن صراعات لا نهاية لها بين الفلسطينيين الذين يدافعون عن ارضهم والاسرائيليين الذين يريدون أن يتملّكوا هذه الارض.
ثانيا: صحيح أن بنجامين يعود الى ابن من أبناء يعقوب الذي هو اسرائيل، ويعود تاريخ يعقوب الى 3700 سنة، عندما بدأت البذرة الاسرائيلية في الظهور، بيد أن الصحيح أيضا أن العرب كانوا موجودين على هذه الارض منذ اسماعيل الذي هو قبل يعقوب بل أن ابراهيم قد رحل من العراق الى فلسطين ليجد له مأمنا من أعدائه، فأمّن له الفلسطينيون هناك ذلك المأمن.
ثالثا: صحيح ان الاسرائيليين والعرب هم من سلالة أب واحد، لكنهم في الحقيقة يفرّقون في الأم، بين هاجر وسارة. هذه جارية وهذه سيدة. وعلى هذا الاساس يبنون سياستهم. أولاد الجارية واولاد الست. وعلى هذا الاساس يساعدهم كل حلفائهم الذين يساعدونهم على اغتصاب هذه الامة.
هذا من جهة.
ومن الجهة الاخرى، فإن الدول العربية والاسلامية في متاهات آخرى.. وفي حيص بيص لا أول له ولا آخر. وهم في عداء عبثي وثرثري مقيت الى درجة القرف.... غير مقيمين للانسان وزنا، ولا للموت احتراما... ولا للحضارة اعتبارا... منهم من يريد تقديم المال ظنا بأن المال يحل قضية.. ومنهم من يشترط شروطا ظنا بأنه ينال مكاسبا... ومنهم من يعارض فقط من أجل المعارضة خدمة لجهات أخرى... ومنهم من يريد احياء الفتن المذهبية، ومنهم من يعيش على وقع اغنية عظّموني فخّموني...
والشعوب المسكينة في غزة والضفة الغربية وفلسطين المحتلة والعراق ولبنان واليمن ومصر وسوريا وتونس والسودان والجزائر والمغرب والصحراء الغربية وافغانستان والباكستان والشيشان وغيرها، كل وفق موقعه وبعده الاستراتيجي، يتلقى انواعا مختلفة من الموت الزؤام.
ومن لا يموت بالقذائف الاسرائلية والاميركية والاوروبية والحلف اطلسية والروسية والصينية واليابانية، فإنه حتما سيموت بالمؤامرات والدسائس والحروب الاهلية والتفجيرات المفخخة، أو من الفقر والجهل والجوع و البرد أو الخوف.
وهذه الشعوب هي تحت رحمة انظمة أوجدتها لعبة الامم بعد عهود من الاحتلالات السياسية والعسكرية والجغرافية والنفسية، تكبت نموها وتعرقل تقدّمها وتعتقل تاريخها، عن جهل كان ذلك او عن علم.
لذلك، فمن المنطق القول، أن كل هذه المعاناة تنتهي، عندما يبدأ ملوك اللعبة بتقبّل حقيقة ان السيدة هاجر هي أيضا سيدة كريمة نجحت في ايجاد مأوى لها ولابنها، بنى فيه ابراهيم بيتا لله فيه صار محجا للعالمين.
وابنها نبي ورسول، من سلالة انبياء ورسل أنجب سلالات عربية واسلامية عريقة. وهو قد ملك الماء في الصحراء منذ ان كان طفلا فنما ملكا وترعرع سيدا وعاش وجيها في قومه.
ونذكّر بأن عيسى كان نجّارا، ومن قبله داود كان صبيا يخدم راعي غنم، وهما مع ذلك اختيار الله لتأسيس أمم وحضارات عريقة.
متى يفلت ملوك لعبة الامم من التخدير الذي عفّن فكرهم وشعورهم وحسّهم، ويتنشقوا الواقع الصحيح لينتعشوا وينعشوا به أيضا حكام الدول، لأن العروش تفنى والشعوب تبقى.
ومتى ينضج العرب؟
سامي الشرقاوي
مقالة جيدة وتحليل دقيق للأحداثث أستاذ سامي . أريد إضافة بعض النقاط التي أراها ضرورية . الولايات المتحدة مسيطر عليها ماليا من قبل البنك المركزي ، والذي هو شركة خاصة قوتها ) بتحكمها بالعملة ( يفوق قوة أقوى دولة في العالم. وطبعا الصهاينة بالتحديد يمتلكون البنك المركزي الأمريكي . أيضا المسيحيون الجدد في أمريكا يعتقدون أن مساعدة إسرائيل هي إحدى علامات النهاية وقدوم المسيح مرة ثانية ، طبعا إسستغل الصهاينة هذا التفكير وعززوه ، فأصبح من ينتقد إسرائيل هو عدو للسامية وخارج عن المفاهيم العقائدية . في هذا الإطار والسيطرة الكاملة على العملة المصرفية ، نجد أن أمريكا تحكمها إسرائيل ، ووضع أمريكا في خانة اليك ورمي الكرة للملعب الدولي خطوة سياسية ممتازة ، وأيضا تعيد رسمية وشرعية منظمة التحرير كالممثل الشرعي والوحيد لشعبنا ، وعدم إهدار مكاسب المنظمة وتضحيات شعبنا طوال السنين الماضية ، وطالما حاولوا الإلتفاف على شرعيتها وتمثيلها وإلغائها تماما .
ولك مني خالص الشكر والتقدير على مقالتك الرائعة .