قصصنا مختلفة ومصيرنا مشترك - بقلم د : بثينة شعبان
الفرق بين الرئيس بوش والرئيس أوباما هو أنّ الرئيس بوش كان يتحدث لمن هم أمامه في القاعة من أصحاب الشركات ،أو أصحاب معامل الأسلحة ،أو أصحاب رؤوس الأموال الضخمة، ويحاول أن يصيغ سياسته في العالم برمّته ليرضيَ أهواءهم ويحقّق مصالحهم. أما الرئيس أوباما ،وفي ذروة انتصاره ، فقد توجّه إلى الشعب الأمريكي وإلى الشعوب ما وراء البحار، وإلى شعوب المناطق المنسية في العالم، وقال لهم «إنّ قصصنا مختلفة ولكنّ مصيرنا مشترك، وها هو فجر جديد لأمريكا ينبلج». وميّز بين هؤلاء الذين يريدون أن يمزّقوا العالم وقال لهم«سوف نهزمكم»، وبين هؤلاء الذين يبحثون عن الأمن والاستقرار وقال لهم «سوف ندعمكم». لا شكّ أنّ هذه فاتحة خطابية ممتازة للغاية، ولكنّ التحديات التي تواجه تنفيذها، كما يحلم العالم بتنفيذها، كثيرة وكبيرة.
لا شكّ أنّ انتخاب أوباما حدثٌ هام، خاصّةً أنه جاء بأكثرية ساحقة بديلاً عن ممثل المحافظين الجدد، جون ماكين، الذي كان يفتخر أثناء الحملة الانتخابية بأنّ يديه ملطّخة بدماء الملايين من الفيتناميين، كما هو حال بوش الذي يفاخر بالدماء البريئة التي أراقها في العراق وأفغانستان وسورية ولبنان والصومال وما يزال. وهو انتصار للديمقراطية الأمريكية التي مرّت بمراحل ومواقف جللتها بالعار، ومنها مرحلة العنصرية ضدّ السود . والتاريخ يستذكر معاناة الملايين من الأفارقة الذين تمّ اختطافهم من بلدانهم ليتمّ بيعهم عبيداً، يعملون في مزارع المستوطنين البيض في أمريكا، والواقع يستذكر معاناة روزا باركس وغيرها العديد إلى مارتن لوثر كينغ. وقد رأينا كيف تذرف، من شدة الفرح، آن نيكسن كوبر وحتى أوبرا أوينفري وآخرون الدموع لدى فوزه. كلّ هذه المواقف تستعيد إلى الأذهان المعاناة الفظيعة التي تعرّض لها السود على مدى قرون، وكلّ الإهانات والعذابات التي تعرّض لها أجدادهم وآباؤهم، حتى الستينيات من القرن الماضي، ولكنهم صبروا وقاوموا وتحمّلوا كلّ هذه العذابات التي كان المستوطنون البيض ينزلونها بهم. إلى أن وصلوا إلى هذه اللحظة التاريخية الهامة والمجيدة دون أدنى شكّ في تاريخ كفاحهم من أجل حقوقهم المدنية. وهذه اللحظة هي هامة جداً لشعب الولايات المتحدة أيضاً، الذي يعيد هذا النجاح سمعةً حسنةً لنظامه الديمقراطي الذي يمنحه الفرصة كي يتخلّص من الطغاة ولو بعد حين، ولو بكلفة مليار دولار والتي لا يمكن للكثيرين ممن يستحقون الرئاسة أن يضمنونها. الجميع مبتهج ليس لانتخاب أوباما وحسب، ولكن للتخلص بشكل أساسي من بوش وأمثاله من طغاة الحروب الدمويين. ولكنّ أحداً لا يقارن وسط هذه البهجة بين نظام استغرق مئات السنين ليقبل بالاعتراف بأنّ رجلاً داكن السحنة قد يتفوّق في ذهنه وعقله وقلبه على رجلٍ أبيض السحنة، وبين نظام آخر، هو الإسلام، اختار منذ أكثر من أربعة عشر قرناً مؤذناً حبشياً علا صوته كافة منابر المسلمين وأصبح من أقرب الرجال إلى رسول الله (ص) لأنه كان رجلاً مؤمناً تقياً. فمنذ ذلك اليوم أصبح «لا فرق بين عربي وأعجمي، ولا بين أبيض وأسود إلاّ بالتقوى». هذا لا يقلّل ،بأي شكل من الأشكال، من حجم الإنجاز الذي حققه الناخبون في الولايات المتحدة ولو لأسباب قد لا تتعلق باللون وإنما بالأزمة المالية، ولكنه أيضاً يجب أن يشير إلى الخلل الأساسي في نظام دولة عظمى في العالم، الذي وعلى مدى قرون، رفض الاعتراف بالمساواة بين البشر مرة بسبب اللون، وأخرى بسبب الدين. فالمسلمون ما يزالون يتعرضون للتمييز والاتهام بالإرهاب. وإذا كانت هذه الحادثة، دخول رجل أسود إلى البيت الأبيض، قد شكلت مفصلاً تاريخياً بالنسبة للشعب الأميركي فإن شعوب العالم الأخرى في أصقاع مختلفة من الأرض، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، مازالت تأمل أن يتمكن هذا النظام الأميركي من التخلّص من أمراضه الأخرى ، مثل كراهيته وعنصريته ضد العرب ، كي يستطيع أن يرى الأمور على حقيقتها ، وألا يقوم بسبب هذه الكراهية بدعم كل ما يقوم به الإسرائيلي من تطهير عرقي، وتهجير، واحتلال، واستيطان الأرض، ومصادرة المياه، وتدمير المنازل ، وبذلك يشارك في إنزال المعاناة والظلم والقهر الذي يرتكبه المستوطنون اليهود على الفلسطينيين، سكان البلاد الأصليين.
إن التحدي الأول الذي يواجهه الرئيس المنتخب ، باراك أوباما ، في سياسته الخارجية هو أن يصدق مع هؤلاء الناس الذين تحدث عنهم في ما وراء المحيطات «من برلمانيين ورؤساء إلى هؤلاء المتجمعين حول أجهزة الراديو في مناطق منسية من العالم» والذين قال لهم إن «قصصنا مختلفة ولكن مصيرنا مشترك». التحدي الأساسي أمامه هو أن يراهم ويسمع أصواتهم لا أن تصله صورتهم وأصواتهم عبر تقارير تحذف منها ما تريد وتبقي على ما تريد كي تكون المعطيات ملائمةً لقرارات يريدون للرئيس أن يتخذها لصالح طرف ضد أطراف أخرى. والتحدي الأساسي الذي سيواجه الرئيس أوباما في منطقتنا هو الذي طالب أجداده به في الولايات المتحدة وفي أفريقيا، وهو أن يضع سياسة مستندة فعلاً إلى قاعدة «أن الجميع إخوة في الإنسانية وأنهم يتقاسمون مصيراً مشتركاً». إذا كان هذا هو منطلق الرئيس المنتخب، فيجب ألا يزور «إسرائيل» دون أن يزور غزة والضفة الغربية، ودون أن يقف على الحواجز التي تمزّق الحياة في القرى الفلسطينية المنكوبة باحتلال واستيطان بغيضين منذ ستين عاماً. يجب ألا يزور من يسيرون معه في بيارات البرتقال التي سرقوها من سكانها العرب الأصليين وطردوا أهلها وأصحابها التاريخيين واليوم يريدون أن يطردوهم مرة أخرى من مخيماتهم في الضفة الغربية وغزة، ويجب ألا يتبرع بالقدس ومستقبل اللاجئين لأنه ببساطة يتبرع بشيء ليس ملكه بل هو ملك الشعب الفلسطيني وحده. وعلى من أوصله صوت الشعب إلى سدة الرئاسة أن ينصت إلى أصوات الشعوب الأخرى لأنها هي وحدها ألسنة الحق وليس بعض المستشارين والموظفين الذين قد يصلون إلى مواقعهم ببرامج عمل موصّفة ومدروسة وهادفة لدعم غاصب محتل ضد شعب بريء يناضل من أجل الكرامة والحرية والاستقلال. لابدّ من بذل الجهد كي تكون مصادر المعلومات متوازنة، فما بني على خطأ سيكون خطأ.
لو تمكنت شعوب منطقتنا أن تدلي بأصواتها للرئيس أوباما لفعلت ذلك، وذلك لأنها تتوق إلى العدالة والكرامة بعد أن عملت حملات بوش العسكرية على قتل وتهجير الملايين من المدنيين الأبرياء من ديارهم وإيداع الشباب والنساء السجون المهينة وتيتيم الأطفال وترميل الملايين من النساء والرجال، وارتكب بوش كل هذه الجرائم ضد الإنسانية بقوة عسكرية طاغية لا ترحم وبنتائج عادت وبالاً على شعوب آمنة مسالمة في العراق وأفغانستان والصومال وأخيراً طال العدوان عمالاً كادحين مسالمين في سورية وترددت أصداء الوبال على الشعب الأميركي بطريقة أو بأخرى. ملايين البشر الذين دمّر بوش حياتهم ينتظرون تغييراً جوهرياً في السياسة الخارجية الأميركية ، ليعمّ الشرق الأوسط مرة أخرى الأمن والاستقرار والسلام ، ويعود الأطفال إلى المدارس والنساء إلى منازلها والأمن إلى شوارع المدن والقرى التي استباحها القتلة بحجة محاربة الإرهاب.
كيف السبيل إذاً كي يتمكن رجل واحد من أن يغيّر مصير الملايين في أرجاء الأرض؟ وكيف السبيل كي لا يعيد اتخاذ القرارات الخاطئة القاتلة نفسها هنا وهناك؟ وكيف السبيل كي لا يقف مع الظالمين والمفسدين في الأرض وكي لا تسحق سياساته المظلومين وكي لا يدمر آمالهم في العدالة واستعادة الحقوق والحرية؟ السبيل الوحيد هو في اختيار المستشارين والموظفين المتوازنين، المشهود لهم باحترامهم لكرامات البشر وحريتهم وحقوقهم في كلّ مكان، وليس العنصريين المعروفين بدعمهم لفئة دون أخرى أو لدين ضد آخر أو لأمة ضد أخرى أو لمنظمة دون سواها أو للوبي مغرق بالكراهية ضدّ العرب.
إن التحدي الذي يواجهه الرئيس أوباما اليوم هو الأبجدية التي ستكتب له إما التميّز والنجاح أو ستكتب لناخبيه والمبتهجين بانتخابه خيبة الأمل بعد أن تخبو أضواء الاحتفالات ويعود كلّ إلى عمله اليومي كالمعتاد ليراقب نتائج الحدث الأهم في حياته اليومية ويستقرئ نتائجه على الأهل والجيران والأقرباء. لاشك أن الوصول إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة إنجاز عظيم لأي مواطن أمريكي وخاصة لرجل أثيرت ضده تهم هي بحد ذاتها تعبير عن عنصرية كامنة حيث أصبح اسم حسين عبئاً عليه وكذلك دين والده الإسلام، بالإضافة إلى لونه ولكن الوصول إلى سدة الرئاسة بحد ذاته ليس ضمانة عزّ وسؤدد. فقد وصل الرئيس بوش إلى سدة الرئاسة ولكن ما الذي فعله بهذا المنصب الرفيع؟! وكيف سيغادر البيت الأبيض وهو يحمل على كتفيه عبء ملايين الأيتام ودماء ملايين الشهداء ومستقبل ملايين البشر المدمّر والمحطم عند أقدام عنجهيته التي لم تسمع يوماً صوت البشر ولم تتوقف يوماً عند دمعة مظلوم. أهو المهم إذاً أنه كان رئيساً أم أن الأفضل له، لو كان يعقل، أن يتمنى «لو أنه مات قبل هذا وكان نسيا منسيا». المهم إذاً ليس فقط الوصول إلى سدة الرئاسة بهذه الأكثرية والابتهاج الناجم من هزيمة الطاغية ولكن الأهمّ، دون شك، هو ماذا سيفعل أوباما بمهام ومسؤوليات الحكم هذه، وكيف يوجهها، وإلى أين يذهب مستقرّها، وما هي النتائج التي يعمل على تحقيقها منها. هذه أسئلة كبرى نأمل أن تكون أجوبتها مرضية لكلّ من يحلمون بالأمن والاستقرار والعدالة والحرية والذين وعدهم الرئيس أوباما بأنه سوف يدعمهم.