عدد القراء

لمراسلة أسرة تحرير المجلة يُرجى الضغط هنا

أدخل بريدك ليصلك جديدنا:

....... غلاء المهور وأخطاره - بقلم صبا العلي






غلاء المهور وأخطاره

يقول الله تعالى: >ومن آياته أن خلق لكم من انفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون< سورة الروم آية (21).
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الزوجين الذكر والانثى. وشرع الزواج ليلتقي الزوجان ويكونا الأسرة التي هي نواة المجتمع، وشرع الله تعالى الصداق وهوالمهر للمرأة فقال تعالى: >وآتوا النساء صدقاتهن نحلة< سورة النساء آية (4)، حيث جعل الشارع الحكيم المهر أثراً من آثار العقد الصحيح، وجعل هذا المهر حقاً للزوجات على أزواجهن كما نصت الآية الكريمة.
إلا أننا نرى في هذه الأيام عزوف كثير من الشباب عن الزواج بسبب المغالاة في المهور.
فما هي الحكمة من مشروعية المهر، وما مقداره؟ ، وما أخطار المغالاة فيه على الفرد والمجتمع؟
لقد أمر رب العالمين جل جلاله الأزواج بمنح الزوجات مبلغا من المال كما ورد في الآية الكريمة السابقة: >وآتوا النساء صدقاتهن نحلة، فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً< سورة النساء آية (4)، فهذه الآية الكريمة وغيرها من آيات الكتاب العزيز تدل على وجوب تقديم المهر للمرأة، وهو مجمع عليه ولا خلاف فيه، كما أجمع العلماء على أنه لاحدّ لكثيره واختلفوا في قليله، فقال بعضهم: إنه ربع دينار ذهباً وقال آخرون خمسة دراهم فضة، وقال سعيد بن المسيب رحمه الله تعالى: لو أصدقها سوطا لحلت له. وهذا المهر ملك الزوجة وحدها، ولها حرية التصرف فيه كيفما تشاء بوجه مشروع.
وقاعدة الإسلام الكبرى في جميع أحكامه وتكاليفه تقوم على التيسير والتخفيف، ومنها المهر الذي جعله الله سبحانه وتعالى منحة وعطية واجبة من الرجل لزوجته، يعطيه لها عن طيب خاطر تطييباً لخاطرها وإكراماً لشخصها وليس ثمنا لها.
ويحسن أن يراعى عند تقدير المهر مقدرة الزوج ووسعه وطاقته، لا أن يطالب بماليس في مقدوره، مما يثقل كاهله وينغص عيشه لسنوات طويلة، ومن هنا تأتي الحكمة من عدم تحديد المهر أو تقديره كغيره من الشؤون المالية، بل ترك أمره لقدرة الناس وطاقاتهم وعاداتهم، بعيداً عن الغلو فيه والارهاق في توابعه وتكاليفه، فالمهر لا ينبغي أن يكون عائقاً للشباب عن الزواج، كما لا يجوز اتخاذ الفتاة سلعة للتجارة والتغالي بمهرها، ولا يستحب أن تكون النظرة الى الزواج نظرة ربح أو خسارة من حيث المهر.
فالمغالاة في المهور أمر مذموم ومكروه، وخاصة اذا أحوج الزوج الى الإستدانة وطلب المساعدة فإلى متى يستطيع الشاب الصبر لتوفير المهر الباهظ الكثير، وما يتبعه من تكاليف الزفاف والأثاث؟ وما عدد السنوات التي يجب أن تمكثها البنت في انتظار الشاب الغني ليتقدم الى خطبتها ودفع مهرها؟ إن التغالي في مهور بناتنا وارتفاع تكاليف الزواج من أهم الأسباب في اغلاق أبواب الزواج أمامهن، ومن فعل فعلته هذه يكون قد فتح أبواب الحرام امام بناته وأولاده، فاتقوا الله عباد الله في بناتكم وأولادكم ولا تكونوا عونا للشيطان وأعوانه عليهم، وادرأوا عن أنفسكم وفلذات أكبادكم مهاوي الردى وعذاب الله، وجنبوا مجتمعكم وأمتكم غوائل الفساد وشرور الإنحراف وشيوع الفاحشة.
قال الله تعالى: >إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لا تعلمون< سورة النور آية (19).
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، الا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض) رواه الترمذي وابن ماجة.
- فلا تحسبوا أن التغالي في المهور هو خير لكم وأمان لبناتكم بل هو شر على من غالى فيه، ولمن رضي به، وليس من مصلحة الفتيات ولا من هنائهن في حياتهن الزوجية.
لا تظنوا عباد الله أن المهر الكثير المرهق هو سبب السعادة والهناء، وأنه العامل في استقرار الحياة الزوجية واستدامة عقدة النكاح، لا وألف لا، إنما يعمر الزواج ويطول بالحب وحسن العشرة وحسن معاملة الزوجة لزوجها وطاعتها لربها ثم لزوجها، وليسأل كل منا نفسه عن مهر زوجته، وكم هو الآن؟ وهل تسبب ذلك المهر اليسير في دمار البيوت وانهيار الحياة الزوجية أم دوامها؟ وهل المهر المرتفع هو الضامن لسعادة الزوجة وأمنها على مستقبلها؟ فماذا تقولون؟ وبم تحكمون؟
وعلينا أن نعلم أن المهر الباهظ المعجل منه والمؤجل قد يغري الزوجة على إثارة المشاكل لشعورها بعدم قدرة الزوج على آداء المهر الواجب عليه، وقد يؤيدها أهلها فيما تفعل فيقع النزاع والشقاق بين الزوجين، عندها يفكر الزوج في حيلة أو عمل ليتخلص مما قيد به نفسه من مهر ثقيل، ويزداد النزاع والشقاق ويكثر التدبير السيء من الطرفين، من الزوج ليتخلص من الزوجة ومهرها، ومن الزوجة وأهلها لترغم أنف زوجها على تلبية رغباتها. وقد يلجأ كل منهما الى المحاكم فتزداد الفجوة اتساعا بينهما. وقد كان الأولى بهما أن يتذكروا ميثاق الله العظيم الذي ارتبطا به، وما أفضى به كل منهما الى الآخر، والله تعالى يقول: >وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم احداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً، أتأخذونه بهتاناً وإثما مبينا، وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم الى بعض وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً< سورة النساء الآيات (20-21).
وقد أنكر الحبيب محمد صلوات الله وسلامه عليه على أبي حُدرد حين جاء يستعينه في مهره فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم، قائلا: (كم أصدقتها)؟ قال: مائتي درهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم غاضبا (لو كنتم تغرفون الدراهم من واديكم هذا ما زدتم، ما عندي ما أعطيك) رواه الإمام أحمد.
وقال الحبيب محمد صلوات الله وسلامه عليه (من اعطى في صداق امرأة ملء كفيه سويقا أو تمرا فقد استحل) رواه ابو داود، والسويق هو دقيق القمح المقلي او الذرة او الشعير.
وجاءت امرأة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إني وهبت نفسي لك، فقامت قياما طويلا، فقام رجل فقال: زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (هل عندك شيء) قال: ما أجد شيئا، قال: (التمس ولو خاتما من حديد) فالتمس فلم يجد شيئا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هل معك من القرآن شيء؟) قال نعم: سورة كذا وسورة كذا، لسور سماها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد زوجتكها على ما معك من القرآن) رواه النسائي.
وقد تزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواة من ذهب، (والنواة خمسة دراهم) وتزوجت امرأة من بني فزارة على نعلين، فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ قالت نعم: فأجازه) رواه الترمذي.
وهكذا كانت النساء يطلبن الستر لا المهر، وهكذا كان الرجال يفعلون، وها هو سعيد بن المسيب يرفض زواج ابنته الحافظة لكتاب الله تعالى عن ظهر قلب والعالمة بالفقه لابن امير المؤمنين، ويزوجها الى رجل فقير بدرهمين، ولم ينكر عليه أحد ذلك، بل عدّ ذلك من مناقبه وفضائله.
إن التيسير في المهر يبعث على الوفاق والمحبة بين الزوجين ويزدادان سروراً وسعادة في حياتهما، فتقوى وتتوثق عرى المحبة والوئام بينهما، وبذا تتحقق ثمرة يسر المهر وعدم المغالاة فيه ،وهي الخير والبركة بكل نواحيها ومجالاتها في حياة الزوجين، قال الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم: >إن أعظم النكاح بركة، أيسره مؤونة< رواه الإمام أحمد، وقال صلى الله علي وسلم: >خير النكاح أيسره< رواه ابو داود.
وإن المقصد من الزواج هو حفظ النسل وحصول الستر والسكن والمودة والرحمة بين الزوجين، وليس الحصول على المهر، وما المهر إلا وسيلة لاغاية، فيجب أن يكون ضمن الحد المعقول وحسب القدرة والاستطاعة، وعلينا جميعا أن نتعاون من أجل درء مفاسد غلاء المهور وآثارها السيئة على الفرد والاسرة والمجتمع، وأن نقدم نماذج في الزواج تكون قدوة للآخرين، وتقوم على أساس التيسير في المهر وتقليل النفقات والتكاليف في حفلات الزواج، بعيداً عن تلك العادات السيئة المخالفة للدين، من لهو ولغو وإطلاق عيارات نارية.
وبذا نبني أسرة قوية متماسكة قائمة على تقوى الله تبارك وتعالى: >ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما< سورة الفرقان آية (74).

منشورات مجلة Unknown بتاريخ الجمعة, سبتمبر 24, 2010. أنظر قسم , . نرحب بآرائكم وملاحظاتكم ومساهماتكم راسلنا

0 التعليقات على موضوع ....... غلاء المهور وأخطاره - بقلم صبا العلي

علّق على الموضوع

أحدث المواضيع

آخر التعليقات

معرض الصور

.

تعريب وتطوير مكتبة خالدية.. جميع الحقوق محفوظة لمجلة بيتي وبيتك للإعلامية صبا العلي